للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والباد هو الذي توعَّد من صدَّ عنه ومن أراد الإلحاد بالظلم فيه، فالحرم ومشاعره كالصفا والمروة والمسعى ومنًى وعرفةَ ومزدلفةَ لا يختص بها أحد دون أحد، بل هي مشتركة بين الناس، إذ هي محل نسكهم ومتعبَّدهم، فهي مسجد من الله وقَفَه ووضعه لخلقه، ولهذا امتنع النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُبنى له بيت بمنًى يُظِلُّه من الحر وقال: «منًى مناخ من سبق» (١).

ولهذا ذهب جمهور الأئمة من السلف والخلف إلى أنه لا يجوز بيع أراضي مكة ولا إجارةُ بيوتها. هذا مذهب مجاهد وعطاء في أهل مكة، ومالكٍ في أهل المدينة، وأبي حنيفة في أهل العراق (٢)، وسفيانَ الثوري والإمامِ أحمدَ بنِ حنبلٍ وإسحاق بن راهويه (٣).


(١) أخرجه أبو داود (٢٠١٩) والترمذي (٨٨١) وابن راهويه (١٢٨٦) والدارمي (١٩٨٠) وابن خزيمة (٢٨٩١) والحاكم (١/ ٤٦٧) كلهم من طريق إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن يوسف بن ماهَك، عن أمه مُسيكة عن عائشة. قال الترمذي: حديث حسن، وقال ابن خزيمة: «باب النهي عن احتصار المنازل بمنى إن ثبت الخبر، فإني لست أعرف مُسيكة بعدالة ولا جرح، ولست أحفظ لها راويًا إلا ابنها»، وضعَّفه ابن القطان في «بيان الوهم» (٣/ ٤٦٨) بجهالة مُسيكة، وكذلك الألباني في «ضعيف سنن أبي داود - الأم» (٢/ ١٩٠) وزاد علّة أخرى هي أن إبراهيم بن مهاجر ليّن الحفظ. قلتُ: الحديث يحتمل التحسين، فإن إبراهيم بن مهاجر صدوق على لين في حفظه وقد أخرج له مسلم في المتابعات، ومُسيكة تابعية كانت تخدم عائشة - رضي الله عنها - وقد أثنى عليها ابنُها خيرًا كما في رواية ابن راهويه في «مسنده».
(٢) في هامش ف بخط الناسخ: «مذهب أبي حنيفة ومحمدٍ كراهة بيع أراضي مكة مع الجواز، ومذهب أبي يوسف جواز ذلك بلا كراهة، وروي ذلك عن أبي حنيفة». كأنه تعقيب على ما نسبه إليه المؤلف من عدم الجواز.
(٣) انظر: «مصنف ابن أبي شيبة» (١٤٨٩٩، ١٤٩٠٠)، و «النوادر والزيادات» (٢/ ٥٠١) و «التبصرة» للخمي (١١/ ٥٠٨٥)، و «مختصر اختلاف العلماء» للطحاوي (٣/ ٦٧) و «بدائع الصنائع» (٥/ ١٤٦)، و «المغني» (٦/ ٣٦٤) و «الإنصاف» (١١/ ٧٢) و «مسائل إسحاق» للكوسج (١/ ٥٧٤).