أن يبيع الأرض، وله أن يبنيها ويعيدها كما كانت، وهو أحق بها يَسكنها ويُسكن فيها من شاء، وليس له أن يُعاوِض على منفعة السكنى بعقد الإجارة، فإن هذه المنفعة إنما استحق أن يتقدّم فيها على غيره ويختص بها لسَبْقه وحاجته، فإذا استغنى عنها لم يكن له أن يعاوض عليها، كالجلوس في الرحاب والطرق الواسعة والإقامةِ على المعادن وغيرِها من المنافع والأعيان المشتركة التي من سبق إليها فهو أحقُّ بها ما دام ينتفع، فإذا استغنى لم يكن له أن يعاوض، وقد صرَّح أرباب هذا القول بأن البيع ونقل الملك في رباعها إنما يقع على البناء لا على الأرض، ذكره أصحاب أبي حنيفة (١).
فإن قيل: فقد منعتم الإجارة وجوزتم البيع، فهل لهذا نظير في الشريعة؟ والمعهود في الشريعة أن الإجارة أوسعُ من البيع، فقد يمتنع البيع وتجوز الإجارة كالوقف والحُرِّ، فأما العكس فلا عهد لنا به.
قيل: كل واحد من البيع والإجارة عقد مستقل غير مستلزمٍ للآخر في جوازه وامتناعه، وموردهما مختلف وأحكامهما مختلفة. وإنما جاز البيع لأنه وارد على المحل الذي كان البائع أخصَّ به من غيره وهو البِناء. وأما الإجارة فإنما تَرِد على المنفعة وهي مشتركة، للسابق إليها حقُّ التقدُّمِ دون المعاوضة؛ فلهذا أجزنا البيع دون الإجارة. فإن أبيتم إلا النظير قيل: هذا المكاتَب يجوز لسيده بيعُه ويصير مكاتبًا عند مشتريه، ولا يجوز له إجارته إذ فيها إبطالُ منافعه وأكسابه التي ملكها بعقد الكتابة، والله أعلم.
على أنه لا يمتنع البيع وإن كانت منافع أرضها ورباعها مشتركةً بين