للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله (١)، ولم يقتل من قال له لما حكم للزبير بتقديمه في السقي: أن كان ابنَ عمتك (٢)، وغير هؤلاء ممن كان يبلغه عنهم أذًى له وتنقُّص.

قيل: الحق كان له، فله أن يستوفيه وله أن يسقطه، وليس لمن بعده أن يُسقط حقَّه، كما أن الرب تعالى له أن يستوفي حقه وله أن يسقطه، وليس لأحد أن يسقط حقه تعالى بعد وجوبه، كيف وقد كان في ترك قتل من ذكرتم وغيرِهم مصالحُ عظيمة في حياته زالت بعد موته مِن تأليف الناس وعدم تنفيرهم عنه، فإنهم لو بلغهم أنه يقتل أصحابه لنفروا، وقد أشار إلى هذا بعينه وقال لعمر لما أشار عليه بقتل (٣) عبد الله بن أبي: «لا يبلغ الناس أن محمدًا يقتل أصحابه» (٤).

ولا ريب أن مصلحة هذا التأليف وجمعِ القلوب عليه كانت أعظمَ عنده وأحبَّ إليه من المصلحة الحاصلة بقتل من سبَّه وآذاه، ولهذا لما ظهرت مصلحة القتل وترجحت جدًّا قتل الساب، كما فعل بكعب بن الأشرف فإنه جاهر بالعداوة والسب، فكان قتلُه أرجحَ مِن إبقائه، وكذلك قتلُ ابنِ خطل ومقيسٍ والجاريتين وأمِّ ولدِ الأعمى، فقتل للمصلحة الراجحة وكفَّ للمصلحة الراجحة، فإذا صار الأمر إلى نُوَّابه وخلفائه لم يكن لهم أن يسقطوا حقَّه.


(١) أخرجه البخاري (٣٤٠٥) ومسلم (١٠٦٢) من حديث ابن مسعود.
(٢) أخرجه البخاري (٢٣٥٩) ومسلم (٢٣٥٧) من حديث عبد الله بن الزبير.
(٣) ص، د، ز: «بقتله».
(٤) كما في حديث جابر المتفق عليه الذي سبق تخريجه في أول الفقرة السابقة، ولفظه في «الصحيحين»: «لا يتحدّث الناس ... ».