للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يعضد شوكها» وفي اللفظ الآخر: «لا يختلى شوكها» (١) صريحٌ في المنع، ولا يصح قياسه على السباع العادية، فإن تلك تقصد بطبعها الأذى، وهذا لا يؤذي من لم يَدنُ منه.

والحديث لم يفرق بين الأخضر واليابس، ولكن قد جوَّزوا قطع اليابس؛ قالوا: لأنه بمنزلة الميت، ولا يعرف فيه خلاف، وعلى هذا فسياق الحديث يدل على أنه إنما أراد الأخضر، فإنه جعله بمنزلة تنفير الصيد، وليس في أخذ اليابس انتهاكُ حرمة الشجرة الخضراء التي تسبح بحمد ربها، ولهذا غرس النبي - صلى الله عليه وسلم - على القبرين غصنين أخضرين وقال: «لعله يُخفَّف عنهما ما لم ييبسا» (٢).

وفي الحديث دليل على أنه إذا انقلعت الشجرة بنفسها أو انكسر الغصن جاز الانتفاع به، لأنه لم يَعضِده هو، وهذا لا نزاع فيه.

فإن قيل: فما تقولون فيما إذا قلعها قالع ثم تركها، فهل يجوز له أو لغيره أن ينتفع بها؟ قيل: قد سئل الإمام أحمد عن هذه المسألة فقال: من شبَّهه بالصيد لم ينتفع بحطبها، وقال: لم أسمع إذا قطعه ينتفع به (٣).

وفيه وجه آخر: أنه يجوز لغير القاطع الانتفاعُ به، لأنه قُطِع بغير فعله فأبيح له الانتفاع به كما لو قلعته الريح، وهذا بخلاف الصيد إذا قتله مُحْرِم حيث يَحرُم على غيره، فإن قتل المحرم له جعله ميتةً.


(١) كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند البخاري (١١٢) ومسلم (١٣٥٥/ ٤٤٧).
(٢) أخرجه البخاري (٢١٦) ومسلم (٢٩٢) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(٣) نقله في «المغني» (٥/ ١٨٧).