للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لعظمته واستكانةً لعزته أن أحلَّ له حرَمَه وبلده ولم يُحلَّه لأحدٍ قبلَه ولا لأحدٍ بعدَه.

وليبيِّن سبحانه لمن قال: «لن نُغلَب اليوم مِن قلة» (١) أن النصر إنما هو من عنده، وأنه من ينصُرْه فلا غالبَ له ومن يخذُلْه فلا ناصرَ له غيره، وأنه سبحانه هو الذي تولى نصرَ رسولِه ودينِه لا كثرتكم التي أعجبتكم، فإنها لم تُغنِ عنكم شيئًا فوليتم مدبرين، فلما انكسرت قلوبُهم أُرسِلت إليها خِلَعُ الجبر مع بريدِ (٢): {مُدْبِرِينَ (٣) (٢٥) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا} [التوبة: ٢٦]. وقد اقتضت حكمته أن خِلَع النصر وجوائزَه إنما تُفَضُّ (٤) على أهل الانكسار؛ {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (٥) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص: ٥ - ٦].

ومنها: أن الله سبحانه لمَّا منع الجيش غنائمَ مكةَ، فلم يغنموا منها ذهبًا ولا فضةً ولا متاعًا ولا سبيًا ولا أرضًا، كما روى أبو داود (٥) عن وهب بن


(١) كما في مرسل قتادة والسدِّي عند الطبري في «تفسيره» (١١/ ٣٨٧، ٣٨٩) ومرسل الربيع بن أنس عند البيهقي في «دلائل النبوة» (٥/ ١٢٣). وقد ذكره ابن إسحاق ــ كما في «سيرة ابن هشام» (٢/ ٤٤٤) ــ والواقدي (٣/ ٨٨٩) وابن سعد (٢/ ١٣٩).
(٢) «بريد» مضاف إلى الآية، أي: مع بريد الأمور المذكورة في هذه الآية. وفي النسخ المطبوعة: «مع بريد النصر»، وهي زيادة ليست في شيءٍ من الأصول.
(٣) في الأصول: «فأنزل»، سهو أو سبق قلم.
(٤) أي: تُوَزَّع وتُقسَّم، يُقال: فضَّ المال على القوم، أي فرَّقه وقسمه عليهم. وفي المطبوع: «تفيض»، تصحيف.
(٥) برقم (٣٠٣٢)، وإسناده جيّد.