للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: ٦٧]. وكثير ممن لا تحقيق عنده ولا رسوخ في العلم يستشكل هذا، ويتكايس في الجواب تارةً بأن هذا فَعله تعليمًا للأمة، وتارةً بأن هذا كان قبل نزول الآية.

ووقعت مسألة في مصر سأل عنها بعض الأمراء وقد ذُكِر له حديث ذكره أبو القاسم بن عساكر في «تاريخه الكبير» (١) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان بعد أن أهدت له اليهودية الشاة المسمومة لا يأكل طعامًا قُدِّم له حتى يأكل منه مَن قدَّمه. قالوا: وفي هذا أسوة للملوك في ذلك، فقال قائل: كيف يُجمع بين هذا وبين قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}؟ فإذا كان الله سبحانه قد ضمن له العصمة، فهو يعلم أنه لا سبيل لبشر عليه (٢). فأجاب بعضهم بأن هذا يدل على ضعف الحديث، وبعضهم بأن هذا كان قبل نزول الآية، فلما نزلت لم يكن ليفعل ذلك بعدها.

ولو تأمل هؤلاء أن ضمان الله له العصمة لا ينافي تعاطيه لأسبابها


(١) «تاريخ دمشق» (٢٢/ ١٤٨)، وأخرجه أيضًا الخطيب في «تلخيص المتشابه» (١/ ٢٥٢)، من حديث عمّار بن ياسر، وإسناده واهٍ، فيه علي بن محمد الحَبيبي، قال فيه الدارقطني: ضعيف جدًّا، وكذَّبه أبو عبد الله الحاكم.
وله شاهد من حديث عمر بن الخطاب عند الطبري في «تهذيب الآثار» (٢/ ٨٣٨) والبيهقي في «شعب الإيمان» (٣٥٦٩) بإسناد ضعيف، وأخرجه البزار (١٤١٣) والبيهقي في «الشعب» (٥٦٥١) من الطريق نفسه إلا أن فيه عمار بن ياسر بدل عمر بن الخطاب. والحديث في إسناده ومتنه اختلاف كثير واضطراب، وليس في سائر طرقه ذكر موضع الشاهد. انظر: «تهذيب الآثار» (٢/ ٨٣٨ - ٨٤٥) و «علل الدارقطني» (٢٣٩، ٥١١، ١١١٩) و «أنيس الساري» (٣٣٩٩).
(٢) النسخ المطبوعة: «إليه».