للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منها أكمل أسباب النعيم والسرور. وجعل خبيثات أقوال الآخرين وأعمالهم وأخلاقهم هي عين عذابهم وآلامهم، فأنشأ (١) لهم منها أعظم أسباب العقاب (٢) والآلام؛ حكمةً بالغةً وعزةً قاهرةً، ليُرِيَ عبادَه كمالَ ربوبيته وكمالَ حكمته وعلمه وعدله ورحمته، ولِيُعلِمَ أعداءه أنهم كانوا هم الكاذبين المفترين، لا رسلُه البررة الصادقون. قال تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا} [النحل: ٣٨ - ٣٩].

والمقصود: أن الله تعالى جعل على السعادة والشقاوة عنوانًا يُعرَفان به. فالسعيد طيِّبٌ لا يليق به إلا طيِّب (٣)، ولا يأتي إلا طيِّبًا، ولا يصدر منه إلا طيِّب، ولا يلابس إلا طيِّبًا. والشقي خبيث لا يليق به إلا الخبيث، ولا يأتي إلا خبيثًا، ولا يصدر منه إلا الخبيث؛ فالخبيث يتفجَّر من قلبه على لسانه وجوارحه. والطيِّبُ يتفجَّر من قلبه الطيِّبُ (٤) على لسانه وجوارحه. وقد يكون في الرجل مادتان فأيهما غلب عليه كان من أهلها. فإن أراد الله به خيرًا طهَّره من المادة الخبيثة قبل الموافاة، فيوافيه يوم اللقاء مطهَّرًا فلا يحتاج إلى تطهيره بالنار،


(١) ك، ع: «وأنشأ».
(٢) ج، ق: «العذاب».
(٣) ك، ع: «الطيب»، وكذا أصلحه بعضهم في ج.
(٤) في ج: «فالخُبْث» مضبوطًا، ولكن تلوح نقطتا الياء أيضًا بين الباء والثاء. والسياق في ص: «فالخُبْثُ ... والطِّيبُ يتفجَّر من قلب الطيِّب» كذا مضبوطًا. وكان في ن: «فالخبيث يتفجَّر من قلبه الخبثُ على ... قلبه الطِّيبُ» فغُيِّر إلى ما أثبت.