للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد يقوله بمنصب الفتوى، كقوله لهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان وقد شكت إليه شُحَّ زوجها وأنه لا يعطيها ما يكفيها: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» (١)، فهذه (٢) فتيا لا حكم، إذ لم يدعُ بأبي سفيان ولم يسأله عن جواب الدعوى ولا سألها البينة.

وقد يقوله بمنصب الإمامة، فيكون مصلحةً للأمة في ذلك الوقت وذلك المكان وعلى تلك الحال، فيلزم مَن بعده من الأئمة مراعاةُ ذلك على حسب المصلحة التي راعاها النبي - صلى الله عليه وسلم - زمانًا ومكانًا وحالًا، ومن هاهنا تختلف الأئمة في كثير من المواضع التي فيها أثر عنه كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من قتل قتيلًا فله سلبه» هل قاله بمنصب الإمامة فيكون حكمه متعلقًا بالأئمة، أو بمنصب الرسالة والنبوة فيكون شرعًا عامًّا؟

وكذلك قوله: «من أحيا أرضًا ميتةً فهي له» (٣)، هل هو شرع عام لكل أحدٍ أذن فيه الإمام أو لم يأذن، أو هو راجع إلى الأئمة فلا يملك بالإحياء إلا بإذن الإمام؟ على القولين، فالأول للشافعي وأحمد في ظاهر مذهبهما، والثاني لأبي حنيفة، وفرق مالك بين الفلوات الواسعة وما لا يتشاحُّ فيه


(١) أخرجه البخاري (٥٣٦٤) ومسلم (١٧١٤) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٢) ص، د، س: «هذا».
(٣) أخرجه أبو داود (٣٠٧٣) والترمذي (١٣٧٨) من حديث عروة عن سعيد بن زيد - رضي الله عنه -، ورجاله ثقات. وأخرجه البخاري (٢٣٣٥) من حديث عروة عن عائشة بلفظ: «من أعمر أرضًا ليست لأحدٍ فهو أحقُّ به». وقد رُوي الحديث عن عروة مرسلًا كما عند مالك (٢١٦٦) وأبي داود (٣٠٧٤) والنسائي في «الكبرى» (٥٧٢٨، ٥٧٣٠) والبيهقي (٦/ ١٤٢) وغيرهم من طرق عنه، وهو أصحّ كما قال الدارقطني في «العلل» (٦٦٥، ٣٤٦٠).