للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن أنت لم تفعل فلستُ بآسفٍ ... ولا قائلٍ إما عثرت لعًا لكا (١)

سقاك بها المأمونُ كأسًا رَوِيَّةً ... فأَنْهَلَك المأمونُ منها وعلَّكا (٢)

قال: وبعث بها إلى بجير فلما أتت بُجيرًا كره أن يكتمها رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فأنشده إياها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سقاك بها المأمون، صدق وإنه لكذوب وأنا المأمون»، ولما سمع: «على خُلقٍ لم تُلفِ أمًّا ولا أبًا عليه» قال: «أجل، لم يُلفِ عليه أباه ولا أمه».

ثم قال بُجير لكعب:

مَن مُبلِغٌ كعبًا فهل لك في التي ... تلوم عليها باطلًا وهي أحزمُ

إلى الله لا العزى ولا اللات وحده ... فتنجو إذا كان النجاءُ وتَسْلَمُ

لدى يومَ لا ينجو وليس بمُفلتٍ ... من الناس إلا طاهرُ القلب مسلمُ

فدِينُ زهيرٍ وهو لا شيء دينُه ... ودينُ أبي سُلمى عليَّ مُحرَّمُ

فلما بلغ كعبًا الكتاب ضاقت به الأرض وأشفق على نفسه، وأَرجَفَ به من كان في حاضره مِن عدوِّه فقال: هو مقتول، فلما لم يجد من شيء بُدًّا قال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويذكر خوفَه وإرجافَ الوُشاة به مِن عدوه، ثم خرج حتى قدم المدينة فنزل على رجلٍ كانت بينه وبينه معرفة من جُهَينة ــ كما ذُكِر لي ــ، فغدا به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين صلى الصبح فصلى


(١) لعًا لك: دعاء للعاثر أن ينتعش من سقطته.
(٢) المأمون: النبي - صلى الله عليه وسلم -، كانت قريش تسمِّيه المأمون والأمين. رَويَّةً: فعيلة بمعنى مُفعِلة، أي: مُرْوِية. فأنهلك: سقاك النَّهَل، وهي السَّقْية الأولى. وعَلَّك: سقاك العَلَل، وهي السقية الثانية. ومراده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي لقَّنك هذه المقالة التي تدعوني فيها إلى الإسلام حتى ارتويتَ بها وأُشرِبتها في قلبك.