للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جميعًا. هذا ما لا يستريب ذو فهم فيه البتة. ثم يُضعِّف (١) الجرَّ أمر آخر (٢) وهو ضعف قولك: مررت بزيد ومن بعده عمرٍو، لأن العاطف يقوم مقام حرف الجر، فلا يُفصَل بينه وبين المجرور، كما لا يفصل بين حرف الجر والمجرور.

ويدل عليه أيضًا أن الله سبحانه لما ذكر قصة إبراهيم وابنه الذبيح في سورة (الصافات) فقال: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (١٠٩) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}، ثم قال: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: ١٠٣ - ١١٢]. فهذه بشارة من الله له شكرًا له على صبره على ما أمر به. وهذا ظاهر جدًّا في أن المبشَّر به غير الأول، بل هو كالنص فيه.

فإن قيل: فالبشارة الثانية وقعت على نبوته، أي لما صبر الأبُ على ما أُمِر به، وأسلم الولدُ لأمر الله، جازاه الله على ذلك بأن أعطاه النبوة.

قيل: البشارة وقعت على المجموع: على ذاته ووجوده، وأنه يكون نبيًّا، ولهذا نصب نبيًّا على الحال المقدَّرة، أي: مقدِّرين (٣) نبوتَه. فلا يمكن إخراج البشارة أن تقع على الأصل، ثم تخص بالحال التابعة الجارية مجرى الفضلة، هذا محال من الكلام. بل إذا وقعت البشارة على نبوته فوقوعها


(١) كذا ضبط بتشديد العين في ص، ج.
(٢) ك، ع: «يضعف الجرُّ من وجه آخر».
(٣) ك، ع: «مقدر».