للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على وجوده أولى وأحرى.

وأيضًا فلا ريب أن الذبح كان بمكة، ولذلك جُعِلت القرابين يوم النحر بها، كما جُعِل السعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار تذكيرًا بشأن إسماعيل وأمه، وإقامةً لذكر الله. ومعلوم أن إسماعيل وأمه هما اللذان كانا بمكة دون إسحاق وأمه، ولهذا اتصل مكان الذبح وزمانه بالبيت الحرام الذي اشترك في بنائه إبراهيم وإسماعيل، وكان النحر بمكة من تمام حجِّ البيت الذي كان بناؤه (١) على يد إبراهيم وابنه إسماعيل زمانًا ومكانًا. ولو كان الذبح بالشام كما يزعم (٢) أهل الكتاب ومن تلقَّى عنهم لكانت القرابين والنحر بالشام لا بمكة.

وأيضًا فإن الله سبحانه سمَّى الذبيح «حليمًا»، لأنه لا أحلم ممن سلَّمَ نفسَه للذبح طاعةً لربه. ولما ذكر إسحاق سماه «عليمًا»، فقال: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} إلى أن قال: {قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: ٢٤ - ٢٨] وهذا إسحاق بلا ريب لأنه من امرأته، وهي المبشَّرة به؛ وأما إسماعيل فمن السُّرِّيَّة. وأيضًا فإنهما بُشِّرا به على الكبر واليأس من الولد، وهذا بخلاف إسماعيل، فإنه وُلِد قبل ذلك.

وأيضًا فإن الله سبحانه أجرى العادة البشرية أن بكر الأولاد أحبُّ إلى الوالدين ممن بعده، وإبراهيم لما سأل الله الولدَ ووهبه له تعلَّقَ شعبةً من قلبه


(١) «بناؤه» ساقط من مب، ن.
(٢) ج: «تزعم». وفي ك، ع: «زعم».