للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شقيق الأمر بالجهاد بالنفس في القرآن وقرينه، بل جاء مقدمًا على الجهاد بالنفس في كل موضع إلا موضعًا واحدًا (١)، وهذا يدل على أن الجهاد به أهم وآكد من الجهاد بالنفس، ولا ريب أنه أحد الجهادين، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من جَهَّز غازيًا فقد غزا» (٢)، فيجب على القادر عليه كما يجب على القادر بالبدن، ولا يتم الجهاد بالبدن إلا ببذله، ولا ينتصر إلا بالعَدَد والعُدَد، فإن لم يقدر أن يُكثر العدد وجب عليه أن يُمدَّ بالمال والعُدَّة، وإذا وجب الحج بالمال على العاجز بالبدن فوجوب الجهاد بالمال أولى وأحرى.

ومنها: ما برز به عثمان بن عفان من النفقة العظيمة في هذه الغزوة وسبق به الناس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما أخفيت وما أبديت» (٣) ثم قال: «ما ضَرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم» (٤)، وكان قد أنفق ألف دينار وثلاثمائة بعير بعُدَّتها وأحلاسها وأقتابها.


(١) وذلك في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: ١١١].
(٢) أخرجه البخاري (٢٨٤٣) ومسلم (١٨٩٥) من حديث زيد بن خالد الجهني.
(٣) أخرجه ابن عدي في «الكامل» (١/ ٣٤٠) والدارقطني في «الأفراد» (ص ١١٠) ــ ومن طريقهما ابن عساكر في «تاريخه» (٣٩/ ٦٥) ــ وأبو نعيم في «فضائل الخلفاء» (٧٧) من حديث حذيفة بإسناد ضعيف، فيه إبراهيم بن إسحاق الثقفي. قال ابن عدي: هذا الحديث بهذا الإسناد غير محفوظ، إسحاق بن إبراهيم هذا أحاديثه غير محفوظة. وقال الدارقطني: هذا حديث غريب، تفرد به إسحاق بن إبراهيم الكوفي.
(٤) روي في تتمة الحديث السابق بلفظ: «ما يبالي عثمان ما عمل بعد هذا». وروي باللفظ المذكور من حديث عبد الرحمن بن سمرة بإسناد لا بأس به، وقد سبق تخريجه في أول الغزوة (ص ٦٦١).