للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُجمعوا الإقامةَ البتة بل كانوا يقولون: اليوم نخرج، غدًا نخرج. وفي هذا نظر لا يخفى، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتح مكة ـ وهي ما هي ـ وأقام فيها يؤسس قواعد الإسلام ويهدم قواعد الشرك ويُمهِّد أمر ما حولها من العرب، ومعلوم قطعًا أن هذا يحتاج إلى إقامة أيام لا يتأتَّى في يوم واحد ولا يومين، وكذلك إقامته بتبوك فإنه أقام ينتظر العدوَّ، ومن المعلوم قطعًا أنه كان بينه وبينهم عدة مراحل تحتاج إلى أيام، وهو يعلم أنهم لا يُوافون في أربعة أيام، وكذلك إقامة ابن عمر بأَذْرَبِيجان ستة أشهرٍ يقصُر الصلاةَ من أجل الثلج، ومن المعلوم أن مثل هذا الثلج لا يتحلَّل ويذوب في أربعة أيام بحيث تنفتح الطرق، وكذلك إقامة أنس بالشام سنتين يقصر، وإقامة الصحابة برَامَهُرْمُزَ سبعة أشهر يقصرون، ومن المعلوم أن مثل هذا الحصار والجهاد يُعلَم أنه لا ينقضي في أربعة أيام، وقد قال أصحاب أحمد: إنه لو أقام لجهاد عدوٍّ أو حبس سلطانٍ أو مرضٍ قصر، سواءٌ غلب على ظنه انقضاء الحاجة في مدة يسيرة أو طويلة، وهذا هو الصواب، لكن شرطوا فيه شرطًا لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا عملِ الصحابة فقالوا: شرطُ ذلك احتمالُ انقضاء حاجته في المدة التي لا تَقطع حكمَ السفر وهي ما دون الأربعة أيامٍ (١)، فيقال: من أين لكم هذا الشرط؟ والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما أقام زيادةً على الأربعة أيام يَقصُر بمكة وتبوك لم يقل لهم شيئًا، ولم يبين لهم أنه لم يعزم على إقامة أكثر من أربعةٍ (٢)،

وهو يعلم أنهم يقتدون به في صلاته ويتأسون به في قصرها في مدة


(١) انظر: «الإنصاف» (٥/ ٧٦).
(٢) د، ز، س، ن، المطبوع: «أربعةِ أيامٍ» .. وكتبت «أيام» في ص أيضًا ولكن جعل عليها علامة الحذف «حـ».