للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأبلغ (١) من ذلك أنه يجيب دعواتِه ويُهلك أعداءَه من غير فعل منه نَفسِه ولا سببٍ، بل تارةً بدعائه وتارةً يستأصلهم سبحانه من غير دعاء منه - صلى الله عليه وسلم -. ومع ذلك يقضي له كلَّ حاجةٍ سأله إياها، ويَعِده كلَّ وعد جميل ثم ينجز له وعده على أتمِّ الوجوه وأهنئها وأكملها. هذا وهو عندكم في غاية الكذب والافتراء والظلم، فإنه لا أكذب ممن كذب على الله واستمر على ذلك، ولا أظلم ممن أبطل شرائع أنبيائه ورسله وسعى في رفعها من الأرض وتبديلها بما يريد هو، وقتل أولياءه وحزبه وأتباع رسله واستمرَّت نصرته عليهم دائمًا، والله تعالى في ذلك كلِّه يُقرُّه ولا يأخذ منه باليمين ولا يقطع منه الوتين وهو يخبر عن ربه أنه أوحى إليه أنه لا أظلمَ ممن افترى على الله كذبًا، أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء، ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله (٢)؛ فيلزمكم ــ معاشر من كذَّبه ــ أحدُ أمرين لا بد لكم منهما:

إما أن تقولوا: لا صانعَ للعالَم ولا مدبِّر، ولو كان للعالم صانع مدبر قدير حكيم لأخذ على يديه وقابَلَه أعظمَ مقابلةٍ وجعله نكالًا للصالحين (٣)، إذ لا يليق بالملوك غيرُ هذا، فكيف بملك الأرض والسماوات وأحكم الحاكمين؟!

الثاني: نسبة الرب إلى ما لا يليق به من الجَور والسفه والظلم، وإضلالِ الخلق دائمًا أبد الآباد، ونُصرةِ الكاذب والتمكين له في الأرض، وإجابة


(١) في النسخ المطبوعة: «وأعجب».
(٢) يشير إلى قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الأنعام: ٩٣].
(٣) أي عبرة لهم. وفي ث، س، المطبوع: «للظالمين».