للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دعواته وقيامِ أمره من بعده، وإعلاءِ كلماته دائمًا، وإظهار دعوته والشهادة له بالنبوة قرنًا بعد قرن على رؤوس الأشهاد في كل مَجمعٍ ونادٍ؛ فأين هذا مِن فعل أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين؟! فلقد قدحتم في رب العالمين أعظمَ قدح وطعنتم فيه أشدَّ طعنٍ أو (١) أنكرتموه بالكلية.

ونحن لا ننكر أن كثيرًا من الكذابين قام في الوجود وظهرت له شوكة ولكن لم يتمَّ له أمره ولم تَطُلْ مُدَّته، بل سَلَّط عليه رُسُلَه وأتباعهم فمحقوا أثره وقطعوا دابره واستأصلوا شأفته. هذه سنته في عباده منذ قامت الدنيا وإلى أن يرث الأرض ومن عليها.

فلما سمع مني هذا الكلام قال: معاذ الله أن نقول إنه ظالم أو كاذب، بل كل مُنصفٍ من أهل الكتاب يقرُّ بأن من سلك طريقه واقتفى أثره فهو من أهل النجاة والسعادة في الأخرى. قلت له: فكيف يكون سالك طريق الكذَّاب ومقتفي أثره بزعمكم من أهل النجاة والسعادة؟ فلم يجد بُدًّا من الاعتراف برسالته ولكن لم يُرسَل إليهم. قلت: فقد لزمك تصديقُه ولا بد، وهو قد تواتر عنه الأخبار بأنه رسول رب العالمين إلى الناس كافَّةً كتابيِّهم وأُميِّهم، ودعا أهل الكتاب إلى دينه، وقاتل من لم يدخل في دينه منهم حتى أقرَّ بالصغار والجزية؛ فبُهت الكافر ونهض من فوره.

والمقصود: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يزل في جدال الكفار على اختلاف مللهم ونحلهم إلى أن توفي، وكذلك أصحابه من بعده، وقد أمر الله سبحانه


(١) كذا في ف، ب، الطبعة الهندية. وفي سائر الأصول: واو العطف، وكذا في طبعة الرسالة.