للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أعم من تعريفها وهي باقية أو تعريفها وهي مضمونة في الذمة لمصلحة صاحبها وملتقطها، ولا سيما إذا التقطها في السفر فإن إيجاب تعريفها سنةً فيه من الحرج والمشقة ما لا يأتي (١) به الشارع، وفي تركها من تعريضها للإضاعة والهلاك ما ينافي أمرَه بأخذها وإخبارَه أنه إن لم يأخذها كانت للذئب، فيتعين ولا بد إما بيعُها وحفظ ثمنها، وإما أكلُها وضمان قيمتها أو مثلِها.

وأما مخالفة الأصحاب، فالذي اختار التخيير من أكبر أئمة الأصحاب ومن يقاس بشيوخ المذهب الكبار الأجلاء، وهو: أبو محمَّد المقدسي ــ قدَّس الله روحه ــ (٢)، ولقد أحسن في اختياره التخييرَ كلَّ الإحسان.

وأما مخالفة الدليل فأين في الدليل الشرعي المنعُ من التصرف في الشاة الملتقَطة في المفازة وفي السفر بالبيع والأكل، وإيجابُ تعريفها، والإنفاقُ عليها سنةً مع الرجوع بالإنفاق أو مع عدمه؟ هذا ما لا تأتي به شريعة فضلًا أن يقوم عليه دليل. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «احبس على أخيك ضالته» صريح في أن المراد به أن لا يستأثر بها دونه ويزيل حقه منها، فإذا كان بيعُها وحفظُ ثمنها خيرًا له من تعريفها سنةً والإنفاقِ عليها وتغريمِ صاحبها أضعافَ قيمتها= كان حبسُها وردُّها عليه هو بالتخيير الذي يكون له فيه الحظ، والحديث يقتضيه بفحواه وقوته، وهذا ظاهر، وبالله التوفيق.

ومنها: أن البعير لا يجوز التقاطه، اللهم إلا أن يكون فَلُوًّا صغيرًا لا يمتنع من الذئب ونحوه، فحكمه حكم الشاة بتنبيه النص ودلالته.


(١) النسخ المطبوعة: «يرضى» خلافًا للأصول.
(٢) انظر: «المغني» (٨/ ٣٣٩).