للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأول أفقه وأقرب إلى مصلحة الملتقط والمالك، إذ قد يكون تعريفها سنةً مستلزمًا لتغريم مالكها أضعاف قيمتها إن قلنا يرجع عليه بنفقتها، وإن قلنا لا يرجع استلزم تغريم الملتقط ذلك. وإن قيل يدعها ولا يلتقطها كانت للذئب وتَلِفَتْ، والشارع لا يأمر بضياع المال.

فإن قيل: فهذا الذي رَجَّحتموه مخالف لنصوص أحمد وأقوال أصحابه، وللدليل أيضًا. أما مخالفة نصوص أحمد فما تقدم حكايته في رواية أبي طالب، ونصَّ أيضًا في روايته في مضطرٍّ وجد شاةً مذبوحةً وشاةً مَيتةً قال: يأكل من الميتة ولا يأكل من المذبوحة؛ الميتة أحِلَّت والمذبوحة لها صاحب قد ذبحها، يريد: أن يُعرِّفها ويطلب صاحبها. فإذا أوجب إبقاء المذبوحة على حالها، فإبقاء الشاة الحية بطريق الأولى. وأما مخالفة كلام الأصحاب فقد تقدم. وأما مخالفة الدليل ففي حديث عبد الله بن عمرٍو: يا رسول الله، كيف ترى في ضالة الغنم؟ فقال: «هي لك أو لأخيك أو للذئب، احبس على أخيك ضالَّته» (١)، وفي لفظ: «رُدَّ على أخيك ضالته» (٢)، وهذا يمنع البيع والذبح.

قيل: ليس في نص أحمد أكثر من التعريف، ومن يقول: إنه مُخيَّر بين أكلِها وبيعها وحفظها لا يقول بسقوط التعريف، بل يعرِّفها مع ذلك وقد عرف شِيَتها وعلامتها، فإن ظهر صاحبها أعطاه القيمة. فقول أحمد: يعرِّفها


(١) أخرجه الطحاوي في «معاني الآثار» (٤/ ١٣٥) والدارقطني (٤٥٧٠) والبيهقي (٤/ ١٥٣، ٦/ ١٩٠) من طرق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه.
(٢) أخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (٣/ ١١١). وفي لفظٍ للبيهقي: «اجمَعْها حتى يأتي باغيها».