وقوله:«يقول: يا رب أمس، اليوم» استقلالٌ لمدة لُبثه في الأرض، وكأنه لبث فيها يومًا فقال: أمس، أو بعضَ يوم فقال: اليوم؛ يحسب أنه حديثُ عهدٍ بأهله، وأنه إنما فارقهم أمس أو اليوم.
وقوله:«كيف يجمعنا بعد ما تمزِّقنا الرياح والبلى والسباع؟»، وإقرارُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له على هذا السؤال= ردٌّ على من زعم أن القوم لم يكونوا يخوضون في دقائق المسائل، ولم يكونوا يفهمون حقائق الإيمان، بل كانوا مشغولين بالعَمَليَّات، وأن أفراخ الصابئة والمجوس من الجهمية والمعتزلة والقدرية أعرفُ منهم بالعِلْميَّات. وفيه دليل على أنهم كانوا يوردون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يشكل عليهم من الأسْوِلة والشبهات، فيجيبهم عنها بما يُثلج به صدورَهم. وقد أَورَد عليه - صلى الله عليه وسلم - الأسوِلةَ أعداؤُه وأصحابُه؛ أعداؤه للتعنت والمغالبة، وأصحابه للفهم والبيان وزيادة الإيمان، وهو يجيب كلًّا عن سؤاله، إلا ما لا جواب عنه كسؤاله عن وقت الساعة.
وفي هذا السؤال دليل على أنه سبحانه يجمع أجزاء العبد بعدما فرَّقها ويُنشئها نشأةً أخرى، ويخلقه خلقًا جديدًا، كما سمَّاه في كتابه كذلك في موضعين منه (١).
وقوله:«أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله»، آلاؤه: نعمه وآياته التي تعرَّف بها إلى عباده.
وفيه إثبات القياس في أدلة التوحيد والمعاد، والقرآنُ مملوء منه.