للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتَّحقيق في ذلك أنَّ الأدوية من جنس الأغذية، فالأمَّة والطَّائفة الَّتي غالبُ أغذيتها المفردات فأمراضها قليلةٌ جدًّا، وطبُّها بالمفردات. وأهلُ المدن الذين غلبت عليهم الأغذية المركَّبة يحتاجون إلى الأدوية المركَّبة. وسببُ ذلك أنَّ أمراضهم في الغالب مركَّبةٌ، فالأدوية المركَّبة أنفع لها. وأمراض أهل البوادي والصَّحاري مفردةٌ، فيكفي في مداواتها الأدوية المفردة. فهذا برهان بحسب الصِّناعة الطِّبِّيَّة.

ونحن نقول: إنَّ هاهنا أمرًا (١) آخر، نسبةُ طبِّ الأطبَّاء إليه كنسبة (٢) طبِّ الطُّرُقيَّة (٣) والعجائز إلى طبِّهم. وقد اعترف به حذَّاقهم وأئمَّتهم، فإنَّ ما عندهم من العلم بالطِّبِّ، منهم من يقول: هو قياسٌ. ومنهم من يقول: هو تجربةٌ. ومنهم من يقول: هو إلهامٌ (٤) ومناماتٌ وحدسٌ صائبٌ. ومنهم من يقول: أُخِذَ كثيرٌ منه من الحيوانات البهيميَّة، كما يُشاهَد (٥) السَّنانيرُ إذا أكلت ذواتِ السُّموم تعمد إلى السِّراج، فتَلِغُ في الزَّيت تتداوى به؛ وكما رُئيت الحيَّاتُ إذا خرجت من بطون الأرض، وقد عَشِيت أبصارها، تأتي إلى ورق الرَّازِيانَج (٦)، فتُمِرُّ عيونها عليه؛ وكما عُهِد من الطَّير الذي يحتقن بماء البحر


(١) ما عدا ف، حط: «أمر» وضبط في س بالرفع.
(٢) «طبّ الأطباء إليه كنسبة» ساقط من د.
(٣) هم الذين يبيعون في الطرقات غرائب العقاقير والحروز والتمائم وما إلى ذلك. وسيأتي في قول حبيش (ص ٤٨٥): «أطبَّاء الطرقات». وانظر: «تكملة دوزي» (٧/ ٤٥).
(٤) ن: «إلهامات».
(٥) س، حط: «تشاهد». ن: «نشاهد». وقد أهمل حرف المضارع في ث، ل.
(٦) تصحف في د، ث، ل إلى «الداريانج». وهي كلمة فارسية، والرازيانج هو الشَّمار أو الشَمَر.