للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عند انحباس طبعه، وأمثال ذلك ممَّا ذُكِر في مبادئ الطِّبِّ (١).

وأين يقع هذا وأمثاله من الوحي الذي يوحيه الله إلى رسوله بما ينفعه ويضرُّه! فنسبةُ ما عندهم من الطِّبِّ إلى هذا الوحي كنسبة ما عندهم من العلوم إلى ما جاءت به الأنبياء. بل هاهنا من الأدوية الَّتي تشفي من الأمراض ما لم يهتد إليها عقولُ أكابر الأطبَّاء، ولم تصل إليها علومهم وتجاربهم وأقيستهم، من الأدوية القلبيَّة والرُّوحانيَّة، وقوَّة القلب واعتماده على اللَّه، والتَّوكُّل عليه والالتجاء إليه، والانطراح والانكسار بين يديه، والتَّذلُّل له، والصَّدقة، والصلاة (٢) والدُّعاء، والتَّوبة والاستغفار، والإحسان إلى الخلق، وإغاثة الملهوف، والتَّفريج عن المكروب. فإنَّ هذه الأدوية قد جرَّبتها الأمم على اختلاف أديانها ومللها فوجدوا لها من التَّأثير في الشِّفاء ما لا يصل إليه علمُ أعلم الأطبَّاء ولا تجربتُه ولا قياسُه.

وقد جرَّبنا نحن وغيرنا من هذا أمورًا كثيرةً، ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسِّيَّة؛ بل تصير الأدوية الحسِّيَّة عندها بمنزلة أدوية الطُّرُقيَّة عند الأطبَّاء. وهذا جارٍ على قانون الحكمة الإلهيَّة، ليس خارجًا عنها. ولكنَّ الأسباب متنوِّعةٌ. فإنَّ القلب متى اتَّصل بربِّ العالمين، وخالق الدَّاء والدَّواء، ومدبِّر الطَّبيعة ومصرِّفها على ما يشاء= كانت له أدويةٌ أخرى غير الأدوية الَّتي يعانيها القلبُ البعيدُ منه، المعرِضُ عنه. وقد عُلِم أنَّ الأرواح متى قويت وقويت النَّفس والطَّبيعة تعاونا على دفع الدَّاء وقهره، فكيف ينكر


(١) انظر: «لقط المنافع» (١/ ٦٥ - ٦٨) و «الأحكام النبوية في الصناعة الطبية» لابن طرخان الكحال الحموي (ص ٢١١ - ٢١٤).
(٢) لفظ «والصلاة» لم يرد في ث, ل وهو مستدرك في ن.