للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للدَّواء. وهذا قدرٌ زائدٌ على مجرَّد وجوده، فإنَّ الدَّواء متى جاوز درجةَ الدَّاء في الكيفيَّة، أو زاد في الكمِّيَّة على ما ينبغي، نَقَله إلى داءٍ آخر، ومتى قصَر عنها لم يَفِ بمقاومته وكان العلاج قاصرًا (١). ومتى لم يقع المداوي على الدَّواء (٢) لم يحصل الشِّفاء. ومتى لم يكن الزَّمان صالحًا لذلك الدَّواء (٣) لم ينفع. ومتى كان البدنُ غيرَ قابلٍ له، أو القوَّةُ عاجزةً عن حمله، أو ثمَّ مانعٌ يمنع من تأثيره= لم يحصل البرء لعدم المصادفة. ومتى تمَّت المصادفة حصل البرء، ولا بدَّ. وهذا أحسن المحملين في الحديث.

والثَّاني: أن يكون من العامِّ المراد به الخاصُّ، لا سيَّما والدَّاخلُ في اللَّفظ أضعافُ أضعافِ الخارج منه. وهذا يستعمل في كلِّ لسانٍ، ويكون المراد أنَّ الله لم يضع داءً يقبل الدَّواء إلا وضع له دواءً، فلا يدخل في هذا (٤) الأدواءُ الَّتي لا تقبل الدَّواء. وهذا كقوله تعالى في الرِّيح الَّتي سلَّطها على قوم عادٍ: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: ٢٥] أي: كلَّ شيءٍ يقبل التَّدميرَ، ومن شأن الرِّيح أن تدمِّره. ونظائره كثيرةٌ.

ومن تأمَّل خَلْقَ الأضداد في هذا العالم، ومقاومةَ بعضها لبعضٍ، ودفعَ بعضها ببعضٍ (٥)، وتسليط بعضها على بعضٍ= تبيَّن له كمالُ قدرة الرَّبِّ تعالى وحكمته، وإتقانه ما صنعه، وتفرُّده بالرُّبوبيَّة والوحدانيَّة والقهر، وأنَّ


(١) انظر: كتاب الحموي (ص ٦٠).
(٢) بعده في طبعتي الفقي والرسالة زيادة: «أو لم يقع الدواء على الداء».
(٣) «الدواء» ساقط من س.
(٤) ن: «هذه».
(٥) س، ث: «لبعض».