للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا العالم أنَّ النَّار العظيمة تنطفئ بالماء القليل، فتلك الأجزاء الصَّغيرة عند مرورها بكُرة الزَّمهرير الَّتي هي في غاية البرد ونهاية العِظَم أولى بالانطفاء.

وأمَّا الثَّاني ــ وهو أن يقال إنَّها تكوَّنت هاهنا ــ فهو أبعد وأبعد، لأنَّ الجسم الذي صار نارًا بعد أن لم يكن كذلك، قد كان قبل صيرورته إمَّا أرضًا وإمَّا ماءً وإمَّا هواءً، لانحصار الأركان في هذه الأربعة. وهذا الذي قد صار نارًا قد كان مختلطًا بأحد هذه الأجسام ومتَّصلًا بها، والجسمُ الذي لا يكون نارًا إذا اختلط بأجسامٍ عظيمةٍ ليست بنارٍ ولا واحدٌ منها، لا يكون مستعدًّا لأن ينقلب نارًا، لأنَّه في نفسه ليس بنارٍ. والأجسامُ المختلطة به باردة، فكيف يكون مستعدًّا لانقلابه نارًا؟

فإن قلتم: لم لا تكون هناك أجزاءٌ ناريَّةٌ تقلِبُ هذه الأجسامَ وتجعلها نارًا بسبب مخالطتها إيَّاها؟ قلنا: الكلام في حصول تلك الأجزاء النَّاريَّة كالكلام في الأوَّل.

فإن قلتم: إنَّا نرى من رشِّ الماء على النُّورة (١) المطفأة تنفصل منها نارٌ، وإذا وقع شعاع الشَّمس على البلُّورة ظهرت النَّار منها، وإذا ضربنا الحجر على الحديد ظهرت النَّار= وكلُّ هذه النَّاريَّة حدثت عند الاختلاط، وذلك يُبطل ما قرَّرتموه في القسم الأوَّل أيضًا.

قال المنكرون: نحن لا ننكر أن تكون المصاكَّة الشَّديدة مُحْدِثةً للنَّار كما في ضرب الحجارة على الحديد، أو تكون قوَّةُ تسخين الشَّمس محدثةً للنَّار كما في البلُّورة، لكنَّا نستبعد ذلك جدًّا في أجرام النَّبات والحيوان، إذ ليس في أجرامها من الاصطكاك ما يوجب حدوث النَّار، ولا فيها من الصَّفاء


(١) النُّورة: حجر الكِلس.