للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والصِّقال ما يبلغ إلى حدِّ البلُّورة. كيف وشعاع الشَّمس يقع على ظاهرها فلا تتولَّد النَّار البتَّة، فالشُّعاع الذي يصل إلى باطنها كيف يولِّد النَّار؟

الدليل (١) الثَّاني في أصل المسألة: أنَّ الأطبَّاء مجمعون على أنَّ الشَّراب العتيق في غاية السُّخونة بالطَّبع، فلو كانت تلك السُّخونة بسبب الأجزاء النَّاريَّة لكانت محالًا، إذ تلك الأجزاء النَّاريَّة مع حقارتها كيف يُعقَل بقاؤها في الأجزاء المائيَّة الغالبة دهرًا طويلًا بحيث لا تنطفئ، مع أنَّا نرى النَّار العظيمة تُطفأ بالماء القليل؟

الوجه الثَّالث: أنَّه لو كان في الحيوان والنَّبات جزءٌ ناريٌّ بالفعل لكان مغلوبًا بالجزء المائيِّ الذي فيه، وكان الجزء النَّاريُّ مقهورًا به. وغلبةُ بعض الطَّبائع والعناصر على بعضٍ يقتضي انقلاب طبيعة المغلوب إلى طبيعة الغالب، فكان يلزم بالضَّرورة انقلاب تلك الأجزاء النَّاريَّة القليلة جدًّا إلى طبيعة الماء الذي هو ضدُّ النَّار.

الوجه الرَّابع: أنَّ الله سبحانه ذكر خلقَ الإنسان في كتابه في مواضع متعدِّدةٍ، يخبر في بعضها أنَّه خلقه من ماءٍ، وفي بعضها أنَّه خلقه من ترابٍ، وفي بعضها أنَّه خلقه من المركَّب منهما وهو الطِّين، وفي بعضها أنَّه خلق (٢) من صلصالٍ كالفخَّار، وهو الطِّين الذي (٣) ضربته الشَّمس والرِّيح حتَّى صار صلصالًا كالفخَّار. ولم يخبر في موضعٍ واحدٍ أنَّه خلقه من نارٍ، بل جعل ذلك خاصِّيَّة إبليس.


(١) في النسخ المطبوعة: «الوجه».
(٢) ث: «خلقه».
(٣) «الذي» لم يرد في د.