وهذه العلل والأسباب ليس عند الأطبَّاء ما يدفعها, كما ليس عندهم ما يدلُّ عليها, والرُّسل تخبر بالأمور الغائبة. وهذه الآثار الَّتي أدركوها من أمر الطَّاعون ليس معهم ما ينفي أن تكون بتوسُّط الأرواح, فإنَّ تأثير الأرواح في الطَّبيعة وأمراضها وهلاكها أمرٌ لا ينكره إلا من هو من أجهل النَّاس بالأرواح وتأثيرها وانفعال الأجسام وطبائعها عنها. والله سبحانه قد يجعل لهذه الأرواح تصرُّفًا في أجسام بني آدم عند حدوث الوباء وفساد الهواء, كما يجعل لها تصرُّفًا عند غلبة بعض الموادِّ الرَّديَّة الَّتي تُحدث للنُّفوس هيئةً رديَّةً, ولا سيَّما عند هيجان الدَّم والمرَّة السَّوداء وعند هيجان المنيِّ, فإنَّ الأرواح الشَّيطانيَّة تتمكَّن من فعلها بصاحب هذه العوارض ما لا تتمكَّن من غيره، ما لم يدفعها دافعٌ أقوى من هذه الأسباب، من الذِّكر والدُّعاء والابتهال والتَّضرُّع والصَّدقة وقراءة القرآن، فإنَّه يستنزل بذلك من الأرواح الملكيَّة ما يقهر هذه الأرواح الخبيثة، ويبطل شرَّها، ويدفع تأثيرها.
وقد جرَّبنا نحن وغيرنا هذا مرارًا لا يحصيها إلا اللَّه، ورأينا لاستنزال هذه الأرواح الطَّيِّبة واستجلاب قربها تأثيرًا عظيمًا في تقوية الطَّبيعة ودفع الموادِّ الرَّديَّة؛ وهذا يكون قبل استحكامها وتمكُّنها، ولا يكاد يُخْرَم. فمن وفَّقه الله بادر عند إحساسه بأسباب الشَّرِّ إلى هذه الأسباب الَّتي تدفعها عنه، وهي له من أنفع الدَّواء. وإذا أراد الله عزَّ وجلَّ إنفاذ قضائه وقدره أغفل قلبَ