للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العبد عن معرفتها وتصوُّرها وإرادتها، فلا يشعر بها ولا يريدها، ليقضي الله فيه (١) أمرًا كان مفعولًا.

وسنزيد هذا المعنى إن شاء الله إيضاحًا وبيانًا عند الكلام على التَّداوي بالرُّقى والعُوَذ النَّبويَّة والأذكار والدَّعوات وفعل الخيرات، ونبيِّن أنَّ نسبة طبِّ الأطبَّاء إلى هذا الطِّبِّ النَّبويِّ كنسبة طبِّ الطُّرُقيَّة والعجائز إلى طبِّهم، كما اعترف به حذَّاقهم وأئمَّتهم. ونبيِّن أنَّ الطَّبيعة الإنسانيَّة أشدُّ شيءٍ انفعالًا عن الأرواح، وأنَّ قوى العُوَذ والرُّقى والدَّعوات فوق قوى الأدوية حتَّى إنَّها تُبطل قوى السُّموم القاتلة.

والمقصود أنَّ فساد الهواء جزءٌ من أجزاء السَّبب التَّامِّ والعلَّة الفاعلة للطَّاعون، فإنَّ (٢) فساد جوهر الهواء الموجِب لحدوث الوباء وفساده يكون لاستحالة جوهره إلى الرَّداءة، لغلبة إحدى الكيفيَّات الرَّديَّة عليه كالعفونة والنَّتْن والسُّمِّيَّة، في أيِّ وقتٍ كان من أوقات السَّنة، وإن كان أكثرُ حدوثه في أواخر الصَّيف وفي الخريف غالبًا، لكثرة اجتماع الفضلات المَراريَّة الحادَّة وغيرها في فصل الصَّيف وعدم تحلُّلها في آخره، وفي الخريف لبرد الجوِّ ورَدْعِه للأبخرة (٣) والفضلات الَّتي كانت تتحلَّل في زمن الصَّيف، فتنحصر فتسخُن وتعفَن، فتجذب (٤) الأمراضَ العفَنيَّة (٥)، ولا سيَّما إذا صادفت


(١) «فيه» ساقط من د، ث، ن.
(٢) من هنا رجع النقل من كتاب الحموي (ص ٩٠ - ٩٢).
(٣) ث، ل: «الأبخرة».
(٤) ما عدا ف، س: «فتحدث»، وهو محتمل.
(٥) كذا في ف، وفي حط مضبوطًا. وفي ل: «العفنة»، وهوسائغ. وفي غيرها: «العَفينة»، وهو تصحيف ما أثبت.