للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإنسان (١) على نفسه. وهذا مخالفٌ للشَّرع والعقل، بل تجنبُه الدُّخولَ إلى أرضه من باب الحِمْية الَّتي أرشد الله سبحانه إليها، وهي حميةٌ عن الأمكنة والأهوية المؤذية.

وأمَّا نهيه عن الخروج من بلده، ففيه معنيان:

أحدهما: حمل النُّفوس على الثِّقةِ باللَّه، والتَّوكُّلِ عليه، والصَّبرِ على أقضيته والرِّضا بها.

والثَّاني: ما قاله أئمَّة الطِّبِّ: أنَّه يجب على كلِّ محترزٍ من الوباء أن يُخرج عن بدنه الرُّطوبات الفَضْليَّة، ويقلِّل الغذاء، ويميل إلى التَّدبير المجفِّف (٢) من كلِّ وجهٍ، إلا الرِّياضة والحمَّام فإنَّهما ممَّا يجب أن يحذر، لأنَّ البدن لا يخلو غالبًا من فضلٍ رديٍّ كامنٍ فيه، فتثيره الرِّياضة والحمَّام ويخلطانه بالكَيموس (٣) الجيِّد، وذلك يجلب علَّةً عظيمةً. بل يجب عند وقوع الطَّاعون السُّكون والدَّعة وتسكين هيجان الأخلاط. ولا يمكن الخروج من أرض الوباء والسَّفر منها إلا بحركةٍ شديدةٍ، وهي مضرَّةٌ جدًّا (٤). هذا كلام أفضل الأطبَّاء المتأخِّرين (٥). فظهر المعنى الطِّبِّيُّ من الحديث النَّبويِّ وما فيه من


(١) حط، ن: «للإنسان». وكذا في النسخ المطبوعة.
(٢) د: «المخفف»، تصحيف.
(٣) الكيموس هو الطعام إذا انهضم في المعدة قبل أن ينصرف عنها ويصير دمًا. انظر: «بحر الجواهر» (ص ٢٥١).
(٤) أضاف المؤلف إلى نصِّ الحموي: «شديدة» و «جدًّا».
(٥) يعني: ابن سينا. ومراجعة كتاب «القانون» (٣/ ٩٠) تدل على أن ما لخصه الحموي (ص ٨٧) من كلامه انتهى بقوله: «يجب أن يحذر». وما بعده شرح من الحموي لكلام ابن سينا وتفسير منه للحديث. وفي كتابه في أول الفقرة: «والثاني ما قاله ابن سينا» فغيَّره المؤلف إلى «ما قاله أئمة الطب»، ثم ظن أن ما بعده كله من كلام ابن سينا.