للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الألم الشَّديد في دفع ألمٍ قد يكون أضعف من ألم الكيِّ. انتهى كلامه.

وقال بعض الأطبَّاء (١): الأمراض المزاجيَّة إمَّا أن تكون بمادَّةٍ أو بغير مادَّةٍ. والمادِّيَّة منها: إمَّا حارَّةٌ أو باردةٌ أو رطبةٌ أو يابسةٌ، أو ما تركَّب منها. وهذه الكيفيَّات الأربع، منها كيفيَّتان فاعلتان، وهما الحرارة والبرودة؛ وكيفيَّتان منفعلتان، وهما الرُّطوبة واليبوسة. ويلزم من غلبة إحدى الكيفيَّتين الفاعلتين استصحابُ كيفيَّةٍ منفعلةٍ معها. وكذلك كان لكلِّ واحدٍ من الأخلاط الموجودة في البدن وسائر المركَّبات كيفيَّتان: فاعلةٌ ومنفعلةٌ. فحصل من ذلك أنَّ أصل الأمراض المزاجيَّة هي التَّابعةُ لأقوى كيفيَّات الأخلاط الَّتي هي الحرارة والبرودة. فجاء كلام النُّبوَّة في أصل معالجة الأمراض الَّتي هي الحارَّة والباردة على طريق التَّمثيل. فإن كان المرض حارًّا عالجناه بإخراج الدَّم، بالفصد كان أو بالحجامة، لأنَّ في ذلك استفراغًا للمادَّة وتبريدًا للمزاج. وإن كان باردًا عالجناه بالتَّسخين، وذلك موجودٌ في العسل. فإن كان يحتاج مع ذلك إلى استفراغ المادَّة الباردة، فالعسل أيضًا يفعل ذلك بما فيه من الإنضاج والتَّقطيع والتَّلطيف والجلاء والتَّليين، فيحصل بذلك استفراغُ تلك المادَّة برفقٍ وأمنٍ من نكاية المُسْهِلات القويَّة.

وأمَّا الكيُّ، فلأنَّ كلَّ واحدٍ من الأمراض المادِّيَّة إمَّا أن يكون حادًّا فيكون سريع الانقضاء (٢) لأحد الطَّرفين، فلا يحتاج إليه فيه. وإمَّا أن يكون مزمنًا وأفضلُ علاجه بعد الاستفراغ: الكيُّ في الأعضاء الَّتي يجوز فيها الكيُّ،


(١) هو ابن طرخان الحموي الكحال الذي لا يزال المؤلف ينقل هذه الفصول من كتابه، فقد عقَّب الحموي بقوله هذا إلى آخر الفصل على كلام المازري.
(٢) في طبعة الرسالة: «الإفضاء»، تحريف.