للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما نبيُّ التوبة، فهو الذي فتح الله به بابَ التوبة على أهل الأرض، فتاب الله به عليهم توبةً لم يحصل مثلها لأهل الأرض قبله. وكان - صلى الله عليه وسلم - أكثر الخلق استغفارًا وتوبةً، حتى كانوا يعُدُّون (١) له في المجلس الواحد مائة مرة: «ربِّ اغفر لي، وتُبْ عليَّ، إنك أنت التواب الغفور» (٢). وكان يقول: «يا أيها الناس توبوا إلى ربِّكم، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة» (٣).

وكذلك توبة أمته أكمل من توبة سائر الأمم، وأسرع قبولًا، وأسهل تناولًا. وكانت توبة من قبلهم من أصعب الأشياء، حتى كان من توبة بني إسرائيل من عبادة العجل قتلُ نفوسهم. وأما هذه الأمة فلكرامتها على الله جعل توبتها الندم والإقلاع.

وأما نبيُّ الملحمة، فهو الذي بُعِث بجهاد أعداء الله، فلم يجاهد نبيٌّ وأمتُه قطُّ ما جاهد رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأمته (٤). والملاحم الكبار التي وقعت وتقع بين أمته وبين الكفار لم يُعهَد مثلُها قبله، فإن أمته يقتلون الكفار في أقطار الأرض على تعاقب الأعصار، وأوقعوا بهم من الملاحم ما لم تفعله أمة سواهم.

وأما نبيُّ الرحمة، فهو الذي أرسله الله رحمةً للعالمين، فرحم به أهلَ


(١) ما عدا مب، ن: «يعدُّوا».
(٢) أخرجه أحمد (٤٧٢٦، ٥٣٥٤) والبخاري في «الأدب المفرد» (٦١٨) وأبو داود (١٥١٦) والترمذي (٣٤٣٤) والنسائي في «الكبرى» (١٠٢١٩، ١٠٢٢٠) وابن ماجه (٣٨١٤)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -. صححه الترمذي وابن حبان (٩٢٧).
(٣) أخرجه مسلم (٢٧٠٢) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.
(٤) لم يرد «وأمته» في ص.