للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إسراء اليقظة فبعد النبوة. وقيل: بل الوحي هاهنا مقيَّد، وليس بالوحي المطلق الذي هو (١) مبدأ النبوة، والمراد: قبل أن يوحى إليه في شأن الإسراء، فأسري به فجأةً من غير تقدُّم إعلام. والله أعلم.

فأقام - صلى الله عليه وسلم - بمكة ما أقام يدعو القبائل إلى الله تعالى، ويعرض نفسه عليهم في كلِّ موسم أن يُؤْوُوه حتى يبلِّغ رسالة ربِّه ولهم الجنة. فلم يستجب له قبيلة، وذَخَر الله ذلك كرامةً للأنصار. فلما أراد الله إظهار دينه، ونصرَ نبيِّه، وإنجاز وعده، وإعلاء كلمته، والانتقام من أعدائه= ساقه إلى الأنصار لِما أراد بهم من الكرامة، فانتهى إلى نفر منهم ستة، وقيل: ثمانية، وهم يحلقون رؤوسهم عند عقبة منًى في الموسم، فجلس إليهم، ودعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن، فاستجابوا لله ورسوله، ورجعوا إلى المدينة، فدعوا قومهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم، ولم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكرٌ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فأول مسجد قرئ فيه القرآن بالمدينة مسجد بني زُرَيق.

ثم قدم مكة في العام القابل اثنا عشر رجلًا من الأنصار، خمسة منهم من الستة الأولين، فبايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بيعة النساء عند العقبة، ثم انصرفوا إلى المدينة.

فقدِم عليه في العام القابل منهم ثلاثة وسبعون رجلًا وامرأتان، وهم أهل العقبة الأخيرة، فبايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم وأنفسهم، ويرحل هو وأصحابه إليهم. واختار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم اثني عشر نقيبًا. وأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه في الهجرة إلى المدينة


(١) ص: «هو قبل»، ولفظ «قبل» مقحم.