للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقييده دليلٌ. ومعنى الحديث أنَّ المريض قد يعيش بلا غذاءٍ أيَّامًا لا يعيش الصَّحيحُ في مثلها (١).

وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فإنَّ الله يطعمهم ويسقيهم» معنًى لطيفٌ زائدٌ على ما ذكره الأطبَّاء، لا يعرفه إلا من له عنايةٌ بأحكام القلوب والأرواح، وتأثيرِها في طبيعة البدن وانفعالِ الطَّبيعة عنها، كما تنفعل هي كثيرًا عن الطَّبيعة. ونحن نشير إليه إشارةً، فنقول:

النَّفس إذا حصل لها ما يشغلها من محبوبٍ أو مكروهٍ أو مخُوفٍ اشتغلت به عن طلب الغذاء والشَّراب، فلا تحسُّ بجوعٍ ولا عطشٍ، بل ولا حرٍّ ولا بردٍ، بل تشتغل به عن الإحساس بالمؤلم الشَّديد الألم فلا تحسُّ به. وما من أحدٍ إلا وقد وجد في نفسه ذلك أو شيئًا منه. وإذا اشتغلت النَّفس بما دهَمَها وورد عليها لم تحسَّ بألم الجوع.

فإن كان الوارد مفرِّحًا قويَّ التَّفريح قام لها مقامَ الغذاء، فشبِعت به، وانتعشت قواها وتضاعفت، وجرت الدَّمويَّةُ في الجسد حتَّى تظهر في سطحه، فيشرق وجهه، وتظهر دمويَّتُه. فإنَّ الفرح يوجب انبساطَ دم القلب، فينبعث في العروق فتمتلئ به، فلا تطلب الأعضاءُ (٢) معلومَها (٣) من الغذاء المعتاد،


(١) وللموفق عبد اللطيف البغدادي كلام نفيس على قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا اشتهى مريض أحدكم شيئًا فليطعمه» أخرجه ابن ماجه (١٤٣٩) من حديث ابن عباس. انظر: «الأربعين الطبية» (ص ١٠٢ - ١٠٣).
(٢) «يوجب الانبساط ... الأعضاء» ساقط من د.
(٣) لم تعجب كلمة «معلوم» الشيخ الفقي، فأثبت «حظَّها»، وقلَّدته طبعة الرسالة دون أصلها.