للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يموت من ذلك، ولا سيَّما إذا كان الطَّعام حارًّا؛ فلو كان ينجِّسه لكان أمرًا بإفساد الطَّعام، وهو - صلى الله عليه وسلم - إنَّما أمرَ بإصلاحه. ثمَّ عدِّي هذا الحكم إلى كلِّ ما لا نفس له سائلة كالنَّحلة والزُّنبور والعنكبوت وأشباه ذلك، إذ الحكم يعمُّ بعموم علَّته، وينتفي لانتفاء سببه. فلمَّا كان سبب التَّنجيس هو الدَّم المحتقن في الحيوان بموته، وكان ذلك مفقودًا فيما لا دم له سائلٌ، انتفى الحكم بالتَّنجيس لانتفاء علَّته.

ثمَّ قال من لم يحكم بنجاسة عظام الميتة (١): إذا كان هذا ثابتًا في الحيوان الكامل مع ما فيه من الرُّطوبات والفضلات وعدم الصَّلابة، فثبوته في العظم الذي هو أبعد من الرُّطوبات والفضلات واحتقان الدَّم أولى. وهذا في غاية القوَّة، فالمصير إليه أولى (٢).

وأوَّل من حُفِظ عنه في الإسلام أنَّه تكلَّم بهذه اللَّفظة فقال: «ما لا نفس له سائلةٌ» إبراهيم النَّخعيُّ (٣)، وعنه تلقَّاها الفقهاء. والنَّفس في اللُّغة يعبَّر بها عن الدَّم. ومنه نَفِست المرأة بفتح النُّون إذا حاضت، ونُفِست بضمِّها إذا ولدت.

وأمَّا المعنى الطِّبِّيُّ، فقال أبو عبيد (٤): معنى «امقلوه»: اغمِسوه، ليخرج


(١) حط، ن: «عظم»، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٢) سيأتي مثله في المجلد السادس (ص ٤٣٧). وانظر: «التبيان» للمؤلف (ص ٥٩٦).
(٣) فقد كان يقول: «كلُّ شيءٍ ليستْ له نفسٌ سائلةٌ فإنَّه لا ينجِّس الماءَ إذا ماتَ فيه»، أخرجه أبو عبيد في «الطَّهور» (١٩٠). ورواه بنحوه ابن أبي شيبة (٦٥٧)، والدَّارقطنيُّ (٦٧)، ومن طريقه البيهقيُّ في «الكبرى» (١/ ٢٥٣). واللفظ المذكور هنا في «الصحاح» للجوهري (٣/ ٩٨٤) ومنه نقله المؤلف في «كتاب الروح» (٢/ ٦١٣).
(٤) في «غريب الحديث» (١/ ٤٤٦)، والنقل من كتاب الحموي (ص ٢٨٨).