للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن تأمَّل ما ذكرناه من العلاج النَّبويِّ رآه كلَّه موافقًا لعادة العليل وأرضه وما نشأ عليه. فهذا أصلٌ عظيمٌ من أصول العلاج يجب الاعتناء به. وقد صرَّح به أفاضل أهل الطِّبِّ حتَّى قال طبيب العرب بل أطبُّهم الحارث بن كَلَدة، وكان فيهم كأبقراط في قومه: «الحِمْيَة رأس الدَّواء، والمَعِدةُ بيت الدَّاء، وعوِّدوا كلَّ بدنٍ ما اعتاد» (١). وفي لفظٍ عنه: «الأَزْم دواءٌ» (٢). والأَزْم (٣): الإمساك عن الأكل يعني به الجوع وهو من أكبر الأدوية في شفاء الأمراض الامتلائيَّة كلِّها بحيث إنَّه أفضل في علاجها من المستفرِغات إذا لم يخَفْ (٤) من كثرة الامتلاء وهيجان الأخلاط وحدَّتها وغليانها.

وقوله: «المعدة بيت الدَّاء». المعدة: عضوٌ عصبيٌّ مجوَّفٌ، كالقَرْعة في شكله، مركَّبٌ من ثلاث طبقاتٍ مؤلَّفةٍ من شظايا دقيقةٍ عصبيَّةٍ تسمَّى «اللِّيف»، ويحيط بها لحمٌ وليفٌ: إحدى الطَّبقات بالطُّول، والأخرى بالعرض، والثَّالثة بالوِراب (٥). وفم المعدة أكثر عَصَبًا، وقعرها أكثر لحمًا،


(١) تقدَّم في فصل هديه - صلى الله عليه وسلم - في الحمية.
(٢) أخرجه عبد الرَّزَّاق في «الأمالي في آثار الصَّحابة» (١٥٦) عن ابن عيينة قال: قال عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - للحارث بن كلدة وكان أطبَّ النَّاس: ما الدَّواء؟ قال: الأزم يا أمير المؤمنين، يعني الحِمية. وأخرجه أبو نعيم في «الطِّبِّ النَّبويِّ» (٧٠٠) من طريق عليِّ ابن المدينيِّ، عن ابن عيينة، عَن ابن أبي نجيح، عَن أبيه قال: سأل عُمرُ ... وذكره.
(٣) النص من هنا إلى آخر الفصل منقول من كتاب الحموي (ص ٣٠٣ - ٣٠٤).
(٤) ن: «يخفِّف». وفي مخطوط كتاب الحموي (٨٥/ب): «يخاف».
(٥) ث، ل: «بالوارب»، وفي طبعة الرسالة: «بالورب» خلافًا للنسخ الخطية والمطبوعة، والوِراب يعني الميل والتحريف بين الطول والعرض. نقله دوزي (١/ ١٠٧) من «معجم المنصوري». ومنه «عرض الوِراب» في علم الهيئة. انظر: «كشاف التهانوي» (٢/ ١١٧٥). وذكر الرازي في «المنصوري» (ص ٣٥٨ - ليدن) أن المعدة مؤلفة من طبقتين داخلة وخارجة ثم قال: «أما الطبعة الداخلة فمن جنس الأغشية العصبانية، وليفها ذاهب بالطول، وفيها ليف ذاهب على الوِراب».