للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يريدون به معنى تغيُّر الرَّائحة وأنَّها قد تُسقِم من أطال اشتمامَها. والأطبَّاء أبعدُ النَّاس عن الإيمان بيمنٍ وشؤمٍ. وكذلك النُّقبة تكون بالبعير ــ وهو جرَبٌ رطبٌ ــ فإذا خالط الإبلَ أو حاكَّها وأوى في مباركها وصل إليها بالماء الذي يسيل منه وبالنَّطْفِ نحوُ ما به. فهذا هو المعنى الذي قال فيه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يُورِدْ ذو عاهةٍ على مُصِحٍّ» كره أن يخالط المعيوهُ (١) الصَّحيحَ، لئلَّا يناله من نَطْفِه (٢) وحِكَّته (٣) نحوٌ ممَّا به.

قال: وأمَّا الجنس الآخر من العدوى، فهو الطَّاعون ينزل ببلدٍ، فيخرج منه خوف العدوى. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا وقع ببلدٍ وأنتم به فلا تخرجوا منه. وإذا كان ببلدٍ فلا تدخلوه» (٤). يريد بقوله: لا تخرجوا من البلد إذا كان فيه، كأنَّكم تظنُّون أنَّ الفرار من قدر الله يُنجيكم من اللَّه. ويريد إذا كان ببلدٍ فلا تدخلوه، أي مقامُكم في الموضع الذي لا طاعون فيه أسكَنُ لقلوبكم وأطيَبُ لعيشكم. ومن ذلك المرأةُ تعرَف بالشُّؤم أو الدَّار، فينال الرَّجلَ مكروهٌ أو جائحةٌ فيقول: أعدَتْني بشؤمها. فهذا هو العدوى الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا عدوى» (٥).

وقالت فرقةٌ أخرى (٦): بل الأمر باجتناب المجذوم والفرار منه على


(١) أي ذو العاهة. وقد تصحف في جميع النسخ إلى «المعتوه».
(٢) النَّطْف: القَطْر.
(٣) ما عدا ن: «خلقه» بالخاء أو بالحاء أو بالحاء والفاء، وكله تصحيف.
(٤) أخرجه البخاري (٣٤٧٣) ومسلم (٢٢١٨) عن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما -.
(٥) انتهى النقل من كتاب ابن قتيبة.
(٦) انظر: كتاب الحموي (ص ١٥٠).