للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الزَّمان لمصلحةٍ راجحةٍ فلا بأس به، ولا تحصل العدوى من مرَّةٍ واحدةٍ ولحظةٍ واحدةٍ، فنهى سدًّا للذَّريعة وحمايةً للصِّحَّة، وخالَطَه مخالطةً ما للحاجة والمصلحة. فلا تعارض بين الأمرين.

وقالت طائفةٌ أخرى: يجوز أن يكون هذا المجذوم الذي أكل معه به من الجذام أمرٌ يسيرٌ لا يُعْدي مثله. وليس الجَذمى كلُّهم سواءً، ولا العدوى حاصلة من جميعهم. بل منهم من لا تضرُّ مخالطته ولا تُعْدي، وهو مَن أصابه من ذلك شيءٌ يسيرٌ، ثمَّ وقف واستمرَّ على حاله، ولم يُعْدِ بقيَّةَ جسمه، فهو أن لا يعدي غيرَه أولى وأحرى.

وقالت فرقةٌ أخرى (١): إنَّ الجاهليَّة كانت تعتقد أنَّ الأمراض المُعْدِية تُعْدي بطبعها من غير إضافةٍ إلى الله سبحانه، فأبطل النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - اعتقادهم ذلك، وأكَلَ مع المجذوم ليبيِّن لهم أنَّ الله سبحانه هو الذي يُمْرِض ويَشفي. ونهى عن القرب منه ليبيِّن (٢) لهم أنَّ هذا من الأسباب الَّتي جعلها الله مفضيةً إلى مسبَّباتها. ففي نهيه إثباتُ الأسباب، وفي فعله بيانُ أنَّها لا تستقلُّ بشيءٍ، بل الرَّبُّ سبحانه إن شاء سلَبها قُواها فلا تؤثِّر شيئًا، وإن شاء أبقى عليها قُواها فأثَّرت.

وقالت فرقةٌ أخرى: بل هذه الأحاديث فيها النَّاسخ والمنسوخ، فينظر في تاريخها؛ فإن عُلِم المتأخِّر منها حُكِمَ بأنَّه النَّاسخ، وإلَّا توقَّفنا فيها.


(١) انظر: كتاب الحموي (ص ١٥٠ - ١٥١). وهذا هو الذي رجَّحه المؤلف في «مفتاح دار السعادة» (٣/ ١٥٩٠).
(٢) في النسخ المطبوعة: «ليتبين».