للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضًا فإنَّه داءٌ كما نصَّ عليه صاحب الشَّريعة، فلا يجوز أن يُتَّخذ دواءً.

وأيضًا فإنَّه يكسب الطَّبيعةَ والرُّوح صفةَ الخبث، لأنَّ الطَّبيعة تنفعل عن كيفيَّة الدَّواء انفعالًا بيِّنًا. فإذا كانت كيفيَّته خبيثةً اكتسبت الطَّبيعة منه خبثًا، فكيف إذا كان خبيثًا في ذاته! ولهذا حرَّم الله سبحانه على عباده الأغذية والأشربة والملابس الخبيثة، لما تكسب النَّفسَ من هيئة الخبث وصفته.

وأيضًا فإنَّ في إباحة التَّداوي به ــ ولا سيَّما إذا كانت النَّفوس تميل إليه ــ ذريعةً إلى تناوله للشَّهوة واللَّذَّة، ولا سيَّما إذا عرفت النُّفوس أنَّه نافعٌ لها، مزيلٌ لأسقامها, جالبٌ لشفائها؛ فهذا أحبُّ شيءٍ إليها. والشَّارع سدَّ الذَّريعة إلى تناوله بكلِّ ممكنٍ، ولا ريب أنَّ بين سدِّ الذَّريعة إلى تناوله وفتحِ الذَّريعة إلى تناوله تناقضًا وتعارضًا.

وأيضًا فإنَّ في هذا الدَّواء المحرَّم من الأدواء ما يزيد على ما يُظَنُّ فيه من الشِّفاء. ولنفرض الكلام في أمِّ الخبائث الَّتي ما جعل الله لنا فيها شفاءً قطُّ, فإنَّها شديدة المضرَّة بالدِّماغ الذي هو مركز العقل عند الأطبَّاء وكثيرٍ من الفقهاء والمتكلِّمين (١).

قال أبقراط (٢) في أثناء كلامه في الأمراض الحادَّة: ضرر الخمر بالرَّأس شديدٌ، لأنَّه يُسرع الارتفاع إليه، ويرتفع بارتفاعه الأخلاط الَّتي تعلو في


(١) انظر: كتاب الحموي (ص ١٥٩) و «مفتاح دار السعادة» (٢/ ٥٥٥ - ٥٥٧) و «أيمان القرآن» (ص ٦١٢)، و «العُدَّة» لأبي يعلى (١/ ٨٩) و «المسوَّدة» (ص ٥٩٥).
(٢) في كتابه «الأمراض الحادَّة» كما ذكر صاحب «كامل الصناعة الطبية» ــ خ برنستون (ق ٦٩/أ). والمصنف صادر عن كتاب الحموي (ص ١٥٩).