{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الفتح: ٢٩] وكلُّهم من الذين آمنوا وعملوا الصَّالحات. فما الظَّنُّ بفاتحة الكتاب الَّتي لم ينزل في القرآن ولا في التَّوراة ولا في الإنجيل ولا في الزَّبور مثلُها، المتضمِّنة لجميع معاني كتُب الله، المشتملة على ذكرِ أصول أسماء الرَّبِّ تعالى ومجامعها ــ وهي اللَّه والرَّبُّ والرَّحمن ــ وإثباتِ المعاد، وذكرِ التَّوحيدين: توحيد الرَّبوبيَّة وتوحيد الإلهيَّة، وذكرِ الافتقار إلى الرَّبِّ سبحانه في طلب الإعانة وطلب الهداية وتخصيصه سبحانه بذلك، وذكرِ أفضل الدُّعاء على الإطلاق وأنفعِه وأفرضِه وما العباد أحوجُ شيءٍ إليه، وهو الهداية إلى صراطه المستقيم المتضمِّن كمالَ معرفته وتوحيده، وعبادته بفعل ما أمَر به، واجتناب ما نهى عنه، والاستقامة عليه إلى الممات. وتتضمَّن ذكرَ أصناف الخلائق وانقسامهم إلى منعَمٍ عليه بمعرفة الحقِّ والعمل به ومحبَّته وإيثاره، ومغضوبٍ عليه بعدوله عن الحقِّ بعد معرفته له، وضالٍّ بعدم معرفته له؛ وهؤلاء أقسام الخليقة. مع تضمُّنها لإثبات القدر والشَّرع، والأسماء والصِّفات، والمعاد، والنُّبوَّات، وتزكية النُّفوس وإصلاح القلوب، وذكر عدل اللَّه وإحسانه، والرَّدِّ على جميع أهل البدع والباطل؛ كما ذكرنا ذلك في كتابنا الكبير (١) في شرحها.
وحقيقٌ بسورةٍ هذا بعضُ شأنها أن يستشفى بها من الأدواء، ويرقى بها اللَّديغ.
وبالجملة، فما تضمَّنته الفاتحة من إخلاص العبوديَّة، والثَّناء على اللَّه، وتفويض الأمر كلِّه إليه، والاستعانة به، والتَّوكُّل عليه، وسؤاله مجامع النِّعم كلِّها،
(١) زاد الفقي بعده بين شرطتين: «مدارج السالكين»، وقلَّدته طبعة الرسالة مخالفةً لأصلها. وقد أفاض المؤلف في تفسير سورة الفاتحة في أول «المدارج».