للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحمله الناس= لكان الأولى بنا الرغبة عنه، لضيق الزمان عن كتابته وسماعه والاشتغال به، فإنه من زَبَد الصدور، لا من زُبَدها!

وقالت طائفة: لما سمع أبو سفيان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلَّق نساءه، لما آلى منهن، أقبل إلى المدينة، وقال للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما قال ظنًّا منه أنه قد طلَّقها فيمن طلَّق. وهذا من جنس ما قبله.

وقالت طائفة: بل الحديث صحيح، ولكن وقع الغلط والوهم من أحد الرواة في تسمية أم حبيبة، وإنما سأله أن يزوِّجه (١) أختَها رملة. ولا يبعد خفاء التحريم (٢) للجمع عليه، فقد خفي ذلك على ابنته، وهي أفقه منه وأعلم حين قالت: يا رسول الله، هل لك في أختي ابنة أبي سفيان؟ فقال: «أفعل ماذا؟». قالت: تنكحها. قال: «أو تحبِّين ذلك؟». قالت: لستُ لك بمُخْلِية، وأحَبُّ من شَرِكني في الخير أختي. قال: «فإنها لا تحِلُّ لي» (٣). فهذه هي التي عرضها أبو سفيان على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسمَّاها الراوي من عنده أم حبيبة (٤)، وقيل: بل كانت كنيتها أيضًا أم حبيبة.

وهذا الجواب حسنٌ لولا قوله في الحديث: «فأعطاه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ما سأل». فيقال حينئذ: هذه اللفظة وهم من الراوي، فإنه أعطاه بعض ما سأل، فقال الراوي: أعطاه ما سأل؛ أو أطلقها اتكالًا على فهم المخاطب أنه أعطاه


(١) ص: «يزوجها» , سهو.
(٢) بعده في ص، ج: «ما»، والظاهر أنها مقحمة.
(٣) أخرجه البخاري (٥١٠١، ٥١٠٧، ٥٣٧٢) ومسلم (١٤٤٩) واللفظ له.
(٤) وهذا الذي صوَّبه ابن كثير، وذكر أنه أفرد رسالة لحديث عكرمة بن عمار. انظر: «الفصول في السيرة» (ص ٢٤٩) و «البداية والنهاية» (٦/ ١٤٩).