للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلا ما وافق أمرَ مالكه الحقيقيِّ.

والثَّاني: أنَّ مصيرَ العبد ومرجعَه إلى الله مولاه الحقِّ، ولا بدَّ أن يخلِّف الدُّنيا وراء ظهره، ويجيء ربَّه فردًا كما خلقه أوَّل مرَّةٍ، بلا أهلٍ ولا مالٍ ولا عشيرةٍ، ولكن بالحسنات والسَّيِّئات. فإذا كانت هذه بداية العبد وما خُوِّلَه ونهايتَه، فكيف يفرح بموجودٍ، أو يأسى على مفقودٍ! ففكرُه في مبدئه ومعاده من أعظم علاج هذا الدَّاء.

ومن علاجه: أن يعلم علمَ اليقين أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: ٢٢ - ٢٣].

ومن علاجه: أن ينظر إلى ما أصيب به، فيجد ربَّه قد أبقى عليه مثلَه أو أفضلَ منه، وادَّخر (١) له ــ إن صبَر ورضِيَ ــ ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعافٍ مضاعفةٍ، وأنَّه لو شاء لجعلها أعظم ممَّا هي.

ومن علاجه: أن يطفئ نار مصيبته ببرد التَّأسِّي بأهل المصائب، وَلْيعلَمْ أنَّه «في كلِّ وادٍ بنو سعدٍ» (٢). ولينظر يَمْنةً، فهل يرى إلا محنةً؟ ثمَّ ليعطِفْ


(١) ز، س، ث، ل: «واذخر».
(٢) هذا مثل. روي أن الأضبط بن قريع السعدي وهو جاهلي قديم آذاه قومه، فتحوَّل عنهم إلى آخرين، فآذوه، فقال: «بكل وادٍ بنو سعد». انظر: «البخلاء» للجاحظ (ص ١٨٩ - الحاجري) و «الحيوان» (٣/ ١٠٤) و «جمهرة الأمثال» (١/ ٦١).