للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن علاجها: أن يعلم أنَّ مرارة الدُّنيا هي بعينها حلاوة الآخرة يقلبها الله سبحانه كذلك، وحلاوة الدُّنيا هي بعينها مرارة الآخرة، ولَأن ينتقل من مرارةٍ منقطعةٍ إلى حلاوةٍ دائمةٍ خيرٌ له من عكس ذلك. فإن خفي عليك هذا (١)، فانظر إلى قول الصَّادق المصدوق: «حُفَّت الجنَّةُ بالمكاره، وحُفَّت النَّارُ بالشَّهوات» (٢).

وفي هذا المقام تفاوتت عقول الخلائق, وظهرت حقائق الرِّجال. فأكثرهم آثَرَ الحلاوةَ المنقطعة على الحلاوة الدَّائمة الَّتي لا تزول, ولم يحتمل مرارة ساعةٍ لحلاوة الأبد, ولا ذلَّ ساعةٍ لعزِّ الأبد, ولا محنةَ ساعةٍ لعافية الأبد؛ فإنَّ الحاضرَ عنده شهادةٌ، والمنتظَر غيبٌ، والإيمانَ ضعيفٌ، وسلطانَ الشَّهوة حاكمٌ. فتولَّد من ذلك إيثارُ العاجلة، ورفضُ الآخرة. وهذا حال النَّظر الواقع على ظواهر الأمور وأوائلها ومبادئها. وأمَّا النَّظر الثَّاقب الذي يخرق حُجُبَ العاجلة، ويجاوزه إلى العواقب والغايات، فله شأنٌ آخر.

فادعُ نفسَك إلى ما أعدَّ الله لأوليائه وأهل طاعته من النَّعيم المقيم والسَّعادة الأبديَّة والفوز الأكبر، وما أعدَّ لأهل البطالة والإضاعة من الخزي والعذاب (٣) والحسرات الدَّائمة، ثمَّ اختر أيّ القسمين أليق بك. وكلٌّ يعمل على شاكلته، وكلُّ أحدٍ يصبو إلى ما يناسبه وما هو الأولى به.

ولا تستطِلْ هذا العلاجَ، فشدَّةُ الحاجة إليه من الطَّبيب والعليل دعت إلى بسطه. وباللَّه التَّوفيق.


(١) ز، د: «ذلك».
(٢) أخرجه مسلم (٢٨٢٢) من حديث أنس.
(٣) ن: «العقاب».