للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذهبًا أحمر، وإمَّا أن يخرج خَبَثًا كلُّه كما قيل:

سبكناه ونحسبه لُجَينًا ... فأبدى الكِيرُ عن خَبَث الحديدِ (١)

فإن لم ينفعه هذا الكِيرُ في الدُّنيا، فبين يديه الكِيرُ الأعظم. فإذا علم العبد أنَّ إدخاله كِيرَ الدُّنيا ومَسْبِكَها خيرٌ له من ذلك الكِيرُ والمَسْبِك، وأنَّه لا بدَّ من أحد الكِيرَين، فليعلم قدرَ نعمة الله عليه في الكِير العاجل.

ومن علاجها: أن يعلم أنَّه لولا محن الدُّنيا ومصائبها لأصاب العبدَ من أدواء الكِبْر والعُجْب والفَرعنة وقسوة القلب، ما هو سبب هلاكه عاجلًا وآجلًا. فمن رحمة أرحم الرَّاحمين أن يتفقَّده في الأحيان بأنواعٍ من أدوية المصائب تكون حِمْيةً له من هذه الأدواء، وحفظًا لصحَّة عبوديَّته، واستفراغًا للموادِّ الفاسدة الرَّديَّة المهلكة منه. فسبحان من يرحم ببلائه، ويبتلي بنعمائه كما قيل:

قد يُنعِم الله بالبلوى وإن عظمت ... ويبتلي الله بعضَ القوم بالنِّعم (٢)

فلولا أنَّه سبحانه يداوي عبادَه بأدوية المحن والابتلاء لطغَوا وبغَوا وعتَوا. والله سبحانه إذا أراد بعبده (٣) خيرًا سقاه دواءً من الابتلاء والامتحان على قدر حاله يستفرغ به منه (٤) الأدواءَ المهلكةَ، حتَّى إذا هذَّبه ونقَّاه وصفَّاه أهَّله لأشرف مراتب الدُّنيا وهي عبوديَّته، وأرفعِ ثواب الآخرة وهو رؤيته وقربه.


(١) البيت دون عزو في «عيون الأخبار» (٢/ ٤) و «العقد» (٣/ ٤٥٥) و «الصداقة والصديق» (ص ٢٠٨) و «التمثيل والمحاضرة» (ص ٢٨٨).
(٢) البيت لأبي تمام من قصيدة له في «ديوانه» (٣/ ٢٨٠).
(٣) ث، ل، ن: «بعبد». وكذا في النسخ المطبوعة.
(٤) ث، ل: «من».