للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ضعفت الحرارة لفناء مادَّتها؛ فإنَّ كثرة التَّحلُّل تفني الرُّطوبة، وهي مادَّة الحرارة، وإذا ضعفت الحرارة ضعف الهضم. ولا يزال كذلك حتَّى تفنى الرُّطوبة، وتنطفئ الحرارة جملةً، فيستكمل العبدُ الأجلَ الذي كتب الله له أن يصل إليه (١).

فغاية علاج الإنسان لنفسه ولغيره حراسة البدن إلى أن يصل إلى هذه الحالة، لا أنَّه يستلزم بقاء الحرارة والرُّطوبة اللَّتين بقاءُ الشَّباب والصِّحَّة والقوَّة بهما، فإنَّ هذا ممَّا لم يحصل لبشرٍ في هذه الدَّار، وإنَّما غاية الطَّبيب أن يحمي الرُّطوبةَ عن مفسداتها من العفونة وغيرها، ويحمي الحرارةَ عن مُضْعِفاتها، ويعدل بينهما بالعدل في التَّدبير الذي به قام بدن الإنسان، كما أنَّ به قامت السَّماوات والأرض. وسائرُ المخلوقات إنَّما قوامها بالعدل.

ومن تأمَّل هدي النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وجده أفضلَ هديٍ يمكن حفظُ الصِّحَّة به، فإنَّ حفظها موقوفٌ على حسن تدبير المطعم والمشرب والملبس، والمسكن والهواء والنَّوم واليقظة، والحركة والسُّكون، والمنكح والاستفراغ والاحتباس. فإذا حصلت هذه على الوجه المعتدل الموافق الملائم للبدن والبلد والسِّنِّ والعادة كان أقرب إلى دوام الصِّحَّة أو غلبتها إلى انقضاء الأجل.

ولمَّا كانت الصِّحَّة والعافية من أجلِّ نعمِ الله على عبده، وأجزلِ عطاياه وأوفرِ مِنَحِه، بل العافية المطلقة أجلُّ النِّعم على الإطلاق، فحقيقٌ لمن رُزِق حظًّا من التَّوفيق مراعاتُها وحفظُها وحمايتُها عمَّا يضادُّها.


(١) قارن هذه الفقرة بكلام الحموي في كتابه (ص ٢١٦).