للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يشرب العسل الممزوج بالماء البارد (١). وفي هذا من حفظ الصِّحَّة ما لا يهتدي إلى معرفته إلا أفاضل الأطبَّاء، فإنَّ شربَه ولعقَه على الرِّيق يذيب البلغمَ، ويغسل خَمْلَ (٢) المعدة، ويجلو لزوجتها، ويدفع عنها الفضلات، ويسخِّنها باعتدالٍ ويفتح سُدَدها. ويفعل مثل ذلك بالكبد والكُلى والمثانة. وهو أنفع للمعدة من كلِّ حلوٍ دخلها. وإنَّما يضرُّ بالعرض لصاحب الصَّفراء لحدَّته وحدَّة الصَّفراء، فربَّما هيَّجها. ودفعُ مضرَّته لهم بالخلِّ، فيعود حينئذٍ لهم نافعًا جدًّا (٣).

وشربُه أنفع من كثيرٍ من الأشربة المتَّخذة من السُّكَّر أو أكثرها، ولا سيَّما لمن لم يعتَدْ هذه الأشربة ولا ألِفها طبعُه، فإنَّه إذا شربها لا تلائمه ملاءمة العسل ولا قريبًا منه. والمحكَّم في ذلك العادة، فإنَّها تهدم أصولًا وتبني أصولًا.

وأمَّا الشَّراب إذا جمع وَصْفَي الحلاوة والبرودة، فمن أنفع شيءٍ للبدن ومن أكبر أسباب حفظ الصِّحَّة. وللأرواح والقوى والكبد والقلب عشقٌ شديدٌ له واستمدادٌ منه. وإذا كان فيه الوصفان حصلت به التَّغذية، وتنفيذُ الطَّعام إلى الأعضاء وإيصاله إليها أتمَّ تنفيذٍ.

والماء البارد رطبٌ يقمع الحرارة، ويحفظ على البدن رطوباته الأصليَّة


(١) هذا أحدُ معاني قول عائشة - رضي الله عنها -: «كان أحبّ الشَّراب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحلو البارد». وسيأتي تخريجه قريبًا. وانظر ما سبق في هديه - صلى الله عليه وسلم - في علاج استطلاق البطن.
(٢) خمل المعدة: أليافها التي تغطي سطحها الباطن، وقد تقدَّم.
(٣) كتاب الحموي (ص ٧٦).