للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قواه ونشاطه وحركته، وصبَر عن الطَّعام، وانتفَع بالقدر اليسير منه. ورأينا العطشان لا ينتفع بالقدر الكثير (١) من الطَّعام، ولا يجد به القوَّة والاغتذاء. ونحن لا ننكر أنَّ الماء يُنفذ الغذاء إلى أجزاء البدن وإلى جميع الأعضاء، وأنَّه لا يتمُّ أمرُ الغذاء إلا به؛ وإنَّما ننكر على من سلَبَ قوَّة التَّغذية عنه البتَّة، ويكاد قوله عندنا يدخل في إنكار الأمور الوجدانيَّة.

وأنكرت طائفةٌ أخرى حصول التَّغذية به واحتجَّت بأمورٍ يرجع حاصلها إلى عدم الاكتفاء به، وأنَّه لا يقوم مقام الطَّعام، وأنَّه لا يزيد في نموِّ الأعضاء ولا يُخْلِف عليها بدلَ ما حلَّلته الحرارة، ونحو ذلك ممَّا لا ينكره أصحاب التَّغذية فإنَّهم يجعلون تغذيته بحسب جوهره ولطافته ورقَّته. وتغذيةُ كلِّ شيءٍ بحسَبه. وقد شوهد الهواءُ الرَّطبُ البارد اللَّيِّن (٢) اللَّذيذ يغذِّي بحسبه، والرَّائحةُ الطَّيِّبةُ تغذِّي نوعًا من الغذاء، فتغذيةُ الماء أظهر وأظهر.

والمقصود: أنَّه إذا كان باردًا، وخالَطَه ما يحلِّيه كالعسل أو الزَّبيب (٣) والتَّمر والسُّكَّر (٤)، كان (٥) من أنفع ما يدخل البدنَ، وحفِظَ عليه صحَّتَه. فلهذا كان أحبُّ الشَّراب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الباردَ الحلوَ (٦). والماء الفاتر ينفخ ويفعل ضدَّ هذه الأشياء.


(١) س: «الكبير».
(٢) ز، س، ث، ل: «الملين».
(٣) حط، ن: «والزبيب».
(٤) كذا في جميع النسخ. وفي طبعة عبد اللطيف وما بعدها: «أو التمر أو السكر».
(٥) في د بعده زيادة: «ذلك».
(٦) سيأتي تخريجه.