للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله في الحديث الصَّحيح: «إن كان عندك ماءٌ بات في شنٍّ وإلَّا كرَعنا» فيه دليلٌ على جواز الكَرْع، وهو الشُّرب بالفم من الحوض والمِقْراة (١) ونحوها. وهذه ــ والله أعلم ــ واقعةُ عينٍ دعت الحاجةُ فيها إلى الكرع بالفم، أو قاله مبيِّنًا لجوازه؛ فإنَّ من النَّاس من يكرهه. والأطبَّاء تكاد تحرِّمه، ويقولون: إنَّه يضرُّ بالمعدة. وقد روي في حديثٍ لا أدري ما حاله عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهانا أن نشرب على بطوننا، وهو الكرع، ونهانا أن نغترف باليد الواحدة. وقال: «لا يَلَغْ أحدكم كما يَلَغُ الكلب، ولا يشربْ باللَّيل من إناءٍ حتَّى يختبره إلا أن يكون مخمَّرًا» (٢).

وحديث البخاريِّ أصحُّ من هذا. وإن صحَّ فلا تعارض بينهما؛ إذ لعلَّ الشُّرب باليد لم يكن يمكن حينئذٍ، فقال: «وإلَّا كرعنا». والشُّرب بالفم إنَّما يضرُّ إذا انكبَّ الشَّارب على وجهه وبطنه كالَّذي يشرب من النَّهر والغدير. فأمَّا إذا شرب منتصبًا بفمه من حوضٍ مرتفعٍ ونحوه، فلا فرق بين أن يشرب بيده أو بفمه.


(١) المقراة: شبه حوض ضخم.
(٢) أخرجه ابن ماجه (٣٤٣١)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (٢٧٣٣)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -. وإسناده ضعيف؛ فيه بقيَّة ــ وهو ابن الوليد ــ كثير التَّدليس عن الضُّعفاء وقد عنعن، عن مسلم بن عبد الله، عن زياد بن عبد الله، وهما مجهولان. قال الدَّميريُّ كما في «الحاشية على سنن ابن ماجه» للسِّنديِّ (٢/ ٣٣٨): «هذا حديث منكرٌ»، وضعَّف إسناده البوصيريُّ في «المصباح» (٤/ ٤٧)، وابن حجر في «الفتح» (١٠/ ٧٧)، وهو في «السِّلسلة الضَّعيفة» (٢١٦٨).