للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضًا فإنَّه أسلم لحرارة المعدة وأبقى عليها من أن يهجم عليها الباردُ وهلةً واحدةً ونهلةً واحدةً.

وأيضًا فإنَّه لا يُروي لمصادفته لحرارة العطش لحظةً ثمَّ يقلع عنها، ولمَّا يكسِر (١) سورتَها وحدَّتَها، وإن انكسرت لم تبطل بالكلِّيَّة؛ بخلاف كسرها على التَّمهُّل والتَّدريج.

وأيضًا فإنَّه أسلم عاقبةً وآمن غائلةً من تناول جميع ما يُروي دفعةً واحدةً فإنَّه يخاف منه أن يطفئ الحرارة الغريزيَّة بشدَّة برده وكثرة كمِّيَّته أو يُضْعِفها فيؤدِّي ذلك إلى فساد مزاج المعدة والكبد وإلى أمراضٍ رديَّةٍ، خصوصًا في سكَّان البلاد الحارَّة كالحجاز واليمن ونحوهما، أو في الأزمنة الحارَّة كشدَّة الصَّيف، فإنَّ الشُّرب وهلةً واحدةً مخوفٌ عليهم جدًّا، فإنَّ الحارَّ الغريزيَّ ضعيفٌ في بواطن أهلها وفي تلك الأزمنة الحارَّة (٢).

وقوله: «وأمرأ» هو أفعَلُ من مرئ الطَّعامُ والشَّرابُ في بدنه، إذا دخله وخالطه بسهولةٍ ولذَّةٍ ونفعٍ. ومنه: {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: ٤]: هنيئًا في عاقبته، مريئًا في مذاقه. وقيل: معناه (٣) أنَّه أسرع انحدارًا عن المريء لسهولته وخفَّته عليه، بخلاف الكثير فإنَّه لا يسهل على المريء انحداره.

ومن آفات الشُّرب نهلةً واحدةً: أنَّه يخاف منه الشَّرَق بأن ينسدَّ مجرى الشَّراب لكثرة الوارد عليه، فيغصُّ به. فإذا تنفَّس رويدًا ثمَّ شرِبَ أمِنَ ذلك.


(١) في النسخ المطبوعة: «تكسر».
(٢) انظر هذه الفقرة بشيء من الزيادة في كتاب الحموي (ص ١٩٥).
(٣) يعني: معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «وأمرأ». وانظر هذا التفسير في كتاب الحموي (ص ١٩٦).