بيان سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - من مولده إلى وفاته على ما هو معهود في كتب السيرة، وإنما كان مقصوده الأعظم هو بيان هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجهاد والغزوات، كما سبق. وقد أشار إلى ذلك أيضًا في موضعٍ آخر (٣/ ١٦٨) حيث قال وهو يتحدث عن الأحكام المستفادة من صلح الحديبية: «وأخذُ الأحكام المتعلقة بالحرب ومصالحِ الإسلام وأهله وأمورِ السياسات الشرعية من سِيَره ومغازيه أولى من أخذها من آراء الرجال؛ فهذا لون، وتلك لون، وبالله تعالى التوفيق».
أما سياقه لذلك فقد بدأ بذكر السيرة النبوية من مبعثه - صلى الله عليه وسلم - حين كان مبدأُ جهاده للكفار والمشركين «بالحجة والبيان وتبليغ القرآن»(٣/ ٥). ثم ذكر ما تعرَّض له النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من الأذى في سبيل الدعوة، حتى هاجر من هاجر إلى الحبشة وهاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة حيث نزل عليه الإذن بالقتال ثم الأمر به. وانفصل منه إلى سياق أخبار الغزوات والبعوث مرتبةً على سني وقوعها، ويعقب على أغلبها بعقد فصول في ذكر ما يُستفاد من أخبارها من الأحكام والفقه، وقد يُطيل في ذكر بعض هذه المسائل إذا كان فيها خلاف مشهور، فيورد حجج الفريقين ويرجِّح بينها على طريقته المعروفة في سائر كتبه.
ولا يقتصر في ذلك على بيان ما يُستفاد من الأحكام المتعلقة في الجهاد وما إليه، بل يذكر كلَّ ما يجود به عقلُه الوقَّاد من الاستنباط وذِكْر ما في أخبار المغازي من الغايات المحمودة والحِكَم الإلهية وما يترتب عليها من مسائل في السلوك والتزكية، كما فعل في غزوات أُحُد وحُنين وتبوك حيث عقد فصلًا خاصًّا بعد كل غزاة لما يستنبط منها من الحِكَم والأسرار والغايات المحمودة.