للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لزاعمي خلاف ذلك (١).

وإلجاء الظَّهر إليه سبحانه يتضمَّن قوَّة الاعتماد عليه، والثِّقة به، والسُّكون إليه، والتَّوكُّل عليه؛ فإنَّ من أسند ظهرَه إلى ركنٍ وثيقٍ لم يخف السُّقوط.

ولمَّا كان للقلب قوَّتان: قوَّة الطَّلب وهي الرَّغبة، وقوَّة الهرب وهي الرَّهبة؛ وكان العبد طالبًا لمصالحه، هاربًا من مضارِّه= جمع الأمرين في هذا التَّفويض والتَّوجُّه، فقال: «رغبةً ورهبةً إليك».

ثمَّ أثنى على ربِّه بأنَّه لا ملجأ للعبد سواه، ولا منجا له منه غيره. فهو الذي يلجأ إليه العبد لينجِّيه من نفسه، كما في الحديث الآخر: «أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك (٢) من عقوبتك، وأعوذ بك منك» (٣). فهو سبحانه الذي يعيذ عبدَه، وينجِّيه من بأسه الذي هو بمشيئته وقدرته. فمنه البلاء، ومنه الإعانة. ومنه ما يطلب النَّجاة منه، وإليه الالتجاء في النَّجاة. فهو الذي يُلْجَأ إليه في أن ينجِّي ممَّا منه، ويستعاذ به ممَّا منه. فهو ربُّ كلِّ شيءٍ، ولا يكون شيءٌ إلا


(١) لم يذكر ابن العريف «التفويض» في كتابه «محاسن المجالس» في علل المقامات، ولا أشار صاحب «منازل السائرين» إلى علة في منزلة التفويض، وكلاهما قَدَح في «التوكل»، وردّ عليهما المؤلف في «طريق الهجرتين» (٢/ ٥٥٥ - ٥٧٤) و «مدارج السالكين» (٢/ ١٦٣ - ١٦٩). ثم انظر كلام أبي علي الدقاق الذي نقله المؤلف في «المدارج» (٢/ ١٤٥) ومنه: «التوكل صفة العوام، والتسليم صفة الخواص، والتفويض صفة خاصة الخاصة». فكأن التوكل التبس هنا بالتفويض.
(٢) غيِّر في طبعة الرسالة إلى «بمعافاتك» كما في «صحيح مسلم» دون تنبيه. وانظر لفظ «بعفوك» في «صحيح ابن خزيمة» (٦٥٤) و «صحيح ابن حبان» (١٩٣٣) وغيرهما.
(٣) أخرجه مسلم (٤٨٦) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.