للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصَّحيح (١)، ليس العشق واحدًا منها.

وكيف يكون العشق الذي هو شركٌ في المحبَّة، وفراغٌ (٢) عن اللَّه، وتمليكُ القلب والرُّوح والحبِّ لغيره= تُنال به درجةُ الشَّهادة؟ هذا من المحال، فإنَّ إفساد عشق الصُّور للقلب فوق كلِّ إفسادٍ، بل هو خمرُ الرُّوح الذي يُسكرها، ويصدُّها عن ذكرِ الله وحبِّه، والتَّلذُّذِ بمناجاته، والأنسِ به؛ ويوجب عبوديَّة القلب لغيره، فإنَّ قلب العاشق متعبد لمعشوقه. بل العشق لبُّ العبوديَّة، فإنَّها كمال الذُّلِّ والحبِّ والخضوع والتَّعظيم. فكيف يكون تعبُّدُ القلب لغير الله ممَّا تنال به درجةُ أفاضل الموحِّدين وسادتهم وخواصِّ الأولياء؟ فلو كان إسناد هذا الحديث كالشَّمس كان غلطًا ووهمًا (٣). ولا يُحفَظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لفظُ العشق في حديثٍ صحيحٍ البتَّة.

ثمَّ إنَّ العشق منه حلال، ومنه حرام. فكيف يظنُّ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٤) أنَّه يحكم على كلِّ عاشقٍ يكتُم ويعِفُّ بأنَّه شهيدٌ. أفَترى من يعشق امرأة غيره أو يعشق المردان والبغايا، ينال بعشقه درجة الشُّهداء؟ وهل هذا إلا خلاف المعلوم من دينه - صلى الله عليه وسلم -؟ كيف والعشق مرضٌ من الأمراض الَّتي جعل الله سبحانه لها الأدوية شرعًا وقدرًا؟ والتَّداوي منه إمَّا واجبٌ إن كان عشقًا حرامًا، وإمَّا مستحبٌّ.


(١) وذلك في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أخرجه البخاري (٦٥٣) وفيه: «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله».
(٢) في النسخ المطبوعة: «وفراغ القلب»، والظاهر أن لفظ «القلب» زيادة ناسخ أو ناشر.
(٣) س: «وهنا»، تحريف.
(٤) هنا كتب ناسخ الأصل (ف): «صلم»، ومن عادته كتابة «صلى الله علم».