وكذلك سلَّط الله سبحانه الرِّيحَ على قوم عاد سبع ليالٍ وثمانية أيَّامٍ، ثمَّ أبقى في العالم منها بقيَّةً في تلك الأيَّام أو في نظيرها عظة وعبرة.
وقد جعل الله سبحانه أعمال البرِّ والفجور مقتَضِياتٍ لآثارها في هذا العالم اقتضاءً لا بدَّ منه. فجعل منعَ الإحسان والزَّكاة والصَّدقة سببًا لمنع الغيث من السَّماء والقَحْط والجَدْب، وجعل ظلمَ المساكين والبخسَ في المكاييل والموازين وتعدِّي القويِّ على الضَّعيف سببًا لجور الملوك والولاة الذين لا يَرحمون إن استُرْحِموا، ولا يَعطِفون إن استُعْطِفوا. وهم في الحقيقة أعمال الرَّعايا ظهرت في صور ولاتهم. فإنَّ الله سبحانه بحكمته وعدله يُظهِر للنَّاس أعمالَهم في قوالب وصورٍ تناسبها: فتارةً بقحطٍ وجدبٍ، وتارةً بعدوٍّ، وتارةً بولاةٍ جائرين، وتارةً بأمراضٍ عامَّةٍ، وتارةً بهمومٍ وآلامٍ وغمومٍ تحضرها نفوسُهم لا ينفكُّون عنها، وتارةً بمنع بركات السَّماء والأرض عنهم، وتارةً بتسليط الشَّياطين عليهم تؤزُّهم إلى أسباب العذاب أزًّا، لتحقَّ عليهم الكلمة، وليصير كلٌّ منهم إلى ما خُلِق له.
والعاقلُ يسيِّر بصيرته بين أقطار العالم، فيشاهده، وينظر مواقع عدل الله وحكمته. وحينئذٍ يتبيَّن له أنَّ الرُّسل وأتباعهم خاصَّةً على سبيل النَّجاة، وسائرُ الخلق على سبيل الهلاك سائرون، وإلى دار البوار صائرون. والله بالغٌ أمره، لا معقِّب له، ولا رادَّ لأمره. وباللَّه التَّوفيق.
(١) أخرجه بهذا اللَّفظ التِّرمذيُّ (١٠٦٥)، وابن حبَّان (٢٩٥٤)، من حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما -، وقال التِّرمذي: «حديث حسن صحيح». وهو في الصَّحيحين، وقد تقدَّم تخريجه.