للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها: ــ وهو الذي أشكل على كثيرٍ من النَّاس ــ إعطاؤه الدِّية من إبل الصَّدقة، وقد ظنَّ بعضُ النَّاس أنَّ ذلك من سهم الغارمين، وهذا لا يصحُّ، فإنَّ غارم أهل الذِّمَّة لا يعطى من الزَّكاة. وظنَّ بعضهم أنَّ ذلك ممَّا فَضُل من الصَّدقة عن أهلها، فللإمام أن يصرفه في المصالح، وهذا أقرب من الأوَّل. وأقرب منه: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - وَداه من عنده، واقترض الدِّية من إبل الصَّدقة، ويدلُّ عليه: «فوداه من عنده».

وأقربُ من هذا كلِّه أن يقال: لمَّا تحمَّلها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لإصلاح ذات البين بين الطَّائفتين، كان حكمها حكم القضاء عن (١) الغارم لِمَا غرمه لإصلاح ذات البين، ولعلَّ هذا مراد مَن قال: إنَّه قضاها من سهم الغارمين، وهو - صلى الله عليه وسلم - لم يأخذ منها لنفسه شيئًا، فإنَّ الصَّدقة لا تحلُّ له، ولكن جرى إعطاء الدِّية منها مجرى إعطائها من الغُرْم (٢) لإصلاح ذات البين. والله أعلم.

فإن قيل: فكيف تصنعون بقوله: «فجعل عَقْلَه على اليهود» (٣)؟ فيقال: هذا مجملٌ لم يَحْفظ راويه كيفيَّة جَعْله عليهم، فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - لمَّا كتب إليهم أن يَدُوا القتيلَ أو يُؤْذِنوا (٤) بحربٍ، كان هذا كالإلزام لهم بالدِّية، ولكنَّ الذي حفظ (٥) أنَّهم أنكروا أن يكونوا قتلوا، وحلفوا على ذلك، وأنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -


(١) ط الفقي والرسالة: «على».
(٢) كذا في عامة النسخ وط الهندية، وفي ز: «مجرى الغرم ... »، وفي ط الفقي والرسالة: «مجرى إعطاء الغارم منها ... ».
(٣) سبق تخريجه (ص ١٥ - ١٦)، وأنه رُوي بأسانيد ضعيفة.
(٤) س، ث، والمطبوع: «يأذنوا».
(٥) د: «حفظ عنهم»، والمطبوع: «حفظوا».